وفاة رجل دمث
عنوان المقالة أعلاه ليس من عندي، ولكنه العنوان الذي اختارته السفيرة البريطانية في لبنان فرانسيس جاي لرثاء آية الله حسين فضل الله رحمه الله، حيث أكدت أنها "حزنت لوفاته، فالعالم بحاجة إلى مزيد من الرجال من أمثاله، الذين يريدون التواصل بين الأديان"، وحيث إن الخارجية البريطانية رأت في تلك العبارات ما يسيء لإسرائيل فأمرت بشطب العبارات من على الموقع. كذلك لم تسلم أوكتافيا نصر مراسلة محطة الـ"سي إن إن" الأميركية من العقاب، لأنها عبّرت عن حزنها لوفاة فضل الله فتم إجبارها على الاستقالة، ووصفته بأنه رجل تحترمه جداً.
في موقع السفيرة البريطانية الذي تم شطبه تقول السفيرة: "عندما تزور فضل الله فمن المؤكد أنك ستدخل في نقاش حقيقي، وحوار محترم، ومن المؤكد أنك ستخرج من عنده وأنت تشعر بأنك شخص أفضل، وهذا بالنسبة لي الأثر الفعلي لرجل دين حقيقي ترك الأثر العميق على كل مَن يلتقيه بصرف النظر عن عقيدته". هذه الكلمات استفزت إسرائيل، ومن ثم استجابت بريطانيا فتم شطب الكلمات، أما "سي إن إن" فكان عقابها فصل المراسلة القديرة التي لم تكن من أتباع "حزب الله" كما أنها لم تكن بالتأكيد من مقلدي فضل الله، تم فصلها بعد عشرين سنة من العمل الدؤوب المتواصل، والتي أثبتت فيها مهنية عالية. آراء وأفكار ومواقف آية الله حسين فضل الله تجاوزت أياً من معاصريه سواء كان "حزب الله" أو غيره من الجماعات السياسية والفكرية، وفرض نفسَه كأداة للتسامح والتفاهم، وتمكّن من أن يضع بصمةً تختلف عن رجال الدين التقليديين. أما الدوائر الغربية وأصحاب القرار فيها فقد حبسوا أنفسَهم في دوائرهم المغلقة، وبدلاً من أن ينفتحوا على الممكن الشرقي قرروا أن ينغلقوا على أنفسهم، فهو في نظرهم ليس إلا "الزعيم الروحي لحزب الله"، وبالتالي فهو إرهابي، وهي بالمناسبة صفة يسبغونها على أي كان لكي يفلتوا من اتهامهم بقمع حرية التعبير والسماح بوجهات النظر الأخرى. ولم يتمكن الغرب بفضائه الفسيح المزعوم من الحرية أن يتخلص من عقده النفسية، وأن يتيح فرصة صغيرة حتى للإشادة برجل قد تُوفي. إن كان هناك في الغرب مَن يرى حواراً أو تواصلاً من أي نوع فقد كان آية الله حسين فضل الله واحداً من أهم تلك الشخصيات، فله آراء جريئة في المرأة والحكم والسياسة لا يمكن لكثيرين أن يصلوا إليها، ولكن المؤسف أنهم لم يستطيعوا تحمل عبارات رثاء له، ولم يتحملوا "وفاة رجل دمث"، أو "رجل محترم" فعن أي حرية تعبير نتحدث؟