الخصخصة والكفاءة

نشر في 22-02-2010
آخر تحديث 22-02-2010 | 00:01
 د. بدر الديحاني من ضمن المبررات "التسويقية" التي يطرحها دائماً دعاة الإسراع في الخصخصة (نقل الملكية) يأتي موضوع كفاءة القطاع الخاص، أي أن القطاع الخاص أكفأ من القطاع العام في تقديم خدمات متطورة، وهو مبرر قد يكون مقبولاً من الناحية النظرية البحتة لأن القطاع الخاص يهدف دائماً وأبداً إلى الربح المادي السريع لذلك لا تخضع قراراته إلا للعوامل الاقتصادية، بخلاف القطاع العام الذي تأخذ قراراته دائماً في الاعتبار العوامل السياسية والاجتماعية المختلفة، ويستهدف عادة تحقيق ما يسمى "الربح الاجتماعي" أو "الربح غير المباشر" (مثل إعادة توزيع الثروة بشكل عادل بين المواطنين وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والمعيشي وخلق فرص عمل جديدة) حتى لو على حساب الربح المادي المباشر.

لكن، بالرغم من كل ذلك، فإن مبرر كفاءة القطاع الخاص لا يصمد كثيراً، عند التطبيق العملي، لذا فإنه يجب ألا يؤخذ على إطلاقه... فكم من شركة أو مؤسسة عامة أثبتت أنها لا تقل، من ناحية تحسين جودة الخدمات المقدمة للجمهور، عن نظيراتها الخاصة إن لم تكن أكثر كفاءة منها، وخير مثال على ذلك في الكويت الخدمات الراقية التي يقدمها للجمهور بعض المؤسسات العامة، أو تلك التي بدأت تقدمها قطاعات معينة في بعض الوزارات مثل "مراكز خدمة المواطن" في وزراة الداخلية وغيرها.

علاوة على ذلك، فإن هناك شركات خاصة كانت خدماتها أفضل عندما كانت مملوكة للدولة مثل محطات التزود بالوقود، ليس ذلك فحسب بل إنها حملت الدولة أعباءً إضافية عندما خصصت نتيجة استغنائها عن العمالة الوطنية واستقدام عمالة رثة متدنية الأجور ما ساهم في زيادة اختلال التركيبة السكانية وغيرها من الأعباء!

لذا، من المفترض أن تركز الحكومة في المرحلة القادمة على موضوع رفع مستوى كفاءة أداء القطاع العام وتخليص مؤسساته من "الشحم" البيروقراطي الزائد ومن التدخلات الحكومية المستمرة في عمله اليومي، وذلك من خلال الاتفاق مع إداراته على أهداف معينة يلتزم بتحقيقها ويقيَّم أداؤه بناءً على درجة تحقيقها، أو من خلال الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتوسيع قاعدة النشاط الاقتصادي للخاص مع بقاء الملكية العامة للأصول الإنتاجية، خصوصاً اذا ما أخذنا في الاعتبار أن الاقتصاد الكويتي هو اقتصاد ريعي يعتمد على مورد وحيد للدخل هو النفط، وأن القطاع العام سيظل، بالتالي، هو المحرك الرئيسي للدورة الاقتصادية، وإذا ما أخذنا في الاعتبار أيضاً محدودية السوق المحلي وخطورة بروز ظاهرة الاحتكار وتركز رأس المال، بالإضافة إلى أن القطاع الخاص لدينا هو قطاع صغير وضعيف وهش يعتمد بشكل كبير جداً على التسهيلات الحكومية ويعتاش على الإنفاق العام ولا يدفع أي نوع من أنواع الضرائب على الأرباح أو الدخل.

أضف إلى ذلك أن القطاع التجاري لن يكون قادراً على تمويل شراء أصول المشروعات العامة الضخمة (في حالة الخصخصة أي نقل الملكية) لأنه دائماً يبحث عن الربح السريع والمضمون، وبالتالي فإنه لن يتحمل المخاطرة في تمويل مشروعات ضخمة قد لا تحقق ربحاً سريعاً، بل إنه سيبحث عن المشروعات التي تدر أرباحاً سريعة... وهنا فإنه من الأولى أن تبقي الدولة على هذه المشروعات ذات الربح المادي السريع والمضمون لأنه لا مبرر إطلاقا لتخليها عنها.

back to top