ارفع رأسك ... ممنوع من النشر!
بداية، وكتوضيح لازم، فإن مقالي «ارفع رأسك يا بدوي فأنت كويتي» والذي لم ينشر في هذه الزاوية في «الجريدة»، لم يكن قد منع من قبل إدارة التحرير، إنما أبلغوني بأنه قد تم تأجيل نشره لمزيد من القراءة بسبب حساسية الظروف، وخشية مني لأن يفوت وقته أرسلته عبر قائمتي البريدية الخاصة لمعارفي تحت عنوان «لم يصل إلى النشر» وقد كنت دقيقا في عبارتي فلم أقل «منع من النشر»، وبعدها وكالبرق صار منشورا في عدة مواقع إلكترونية، على رأسها موقع صحيفة «الآن» الإلكترونية، فشكرا لمن «تطوع» ونشر المقال، ولمن تفاعل معه إيجابا أو سلبا، وكذلك للمواقع التي نشرته.أعود إلى موضوع المقال... سألني أكثر من شخص مبتدئا بقوله «وأنت رجل مثقف وأكاديمي»، عن لماذا كتبت المقال، ولماذا خاطبت فيه البدوي فقط؟ وكأن كوني «مثقفا أكاديميا» لا يصلح معه أن أذكر أو حتى أن أتذكر أني «بدوي»؟!
الإجابة من زاويتين: أولا: إن المقال الصحفي ليس بحثا علميا لابد فيه من الإحاطة بكل جزئيات القضية وإلا صار ناقصا معابا من الناحية الأكاديمية، إنما هو ومضة وفكرة سريعة حول جانب من موضوع بعينه، ولابد على القارئ أن يقوم من جانبه بدوره «العقلي» المفروض فيربطه بسياق الأحداث وكذلك بما قد يكون يعرفه عن مجمل فكر الكاتب نفسه قبل أن يحكم.ثانيا: وجهت مقالتي بكل بساطة للبدو، وأنا منهم، لأنهم موضوع الساعة فهم من قد استفزوا في الغالب بالأحداث الأخيرة، وهم من تجمهروا وتظاهروا، لكن في المقابل أغلبكم يذكر، ومن أولكم ربما الزميل العزيز جعفر رجب الذي كتب يرد «بسخرية لاذعة» على مقالي، بأني كنت من أول من كتب، وربما ممن يعدون على الأصابع من «السنّة» آنذاك، رافضا استهداف كل الشيعة على خلفية «تأبين مغنية» والتشكيك في ولائهم للوطن، وأني لهذا الموقف بالذات، الذي نالني إزاءه ما نالني، ولمواقف عديدة غيره أبرزتها في مقالاتي ومواقفي السياسية أبعد ما أكون عن التمترس خلف أي فكرة فئوية، أو حتى مجرد التفكير بأنها تعطيني أفضلية في المواطنة عن غيري من إخواني في هذا الوطن.يا سادتي، هناك فرق شاسع، بين الإقرار بوجود الخصوصيات الفئوية الناشئة مجتمعيا وتقبلها بقدرها، وبين اعتبار هذه الخصوصيات مستندات للتعالي على الآخرين.إن البدو موجودون على هذه الأرض بخصوصيتهم، والحضر كذلك، والسنة موجودون على هذه الأرض بخصوصيتهم، والشيعة كذلك، وكل هذه الخصوصيات يجب أن تظل مقدرة ومحترمة مجتمعيا، بل يجب أن يصونها القانون ويحميها من التجريح والتطاول من قبل أي فئة على الأخرى، وكل ذلك تحت مظلة الوطن الجامع الواحد، دون أن يكون لأحد من هؤلاء أفضلية أمام الوطن والنظام والقانون على الآخرين بسببها.بعض الخياليين يظنون أنهم بمنع التطرق لهذه الخصوصيات علنا، يحصنون الوطن من التشرذم، حتى خرج علينا من يطالب بإلغاء أسماء القبائل والعشائر من الوثائق الرسمية من هذا الباب، وهذا طرح بعيد كل البعد عن المنطق، لأنه مصطدم من الأساس بالحاجز التاريخي الذي لم يتمكن أحد من هدمه في يوم من الأيام على مر تاريخ كل الأمم، الشرقية منها على وجه الخصوص.ألا يفتخر الشيعي «الكويتي» بأنه شيعي يحب الحسين، وهذا حقه؟ ألا يفتخر ابن العائلة «الكويتي» بأنه ابنٌ لتلك العائلة ويفخر بطيبها، وهذا حقه؟ ألا يفتخر ابن العشيرة «الكويتي» بعشيرته وطيب معدنهم، وهذا حقه؟ فلماذا لا يصح اليوم أن يفتخر ابن القبيلة «الكويتي» بأنه ابنٌ لهذه القبيلة أو تلك؟! لماذا لم يتضايق الزميل جعفر رجب على سبيل المثال يوم كتبت على خلفية تأبين عماد مغنية ما معناه: ارفع رأسك يا شيعي، فأنت كويتي؟! ولماذا لن يتضايق أي حضري من أبناء الكويت لو حصل يوما أن استهدفهم سفيه، يشاع بأن خلفه جماعة وأناسا نافذين، مشككا في ولائهم للوطن كما حصل في حق من هم من البدو، فقلت ارفع رأسك يا حضري فأنت كويتي؟ هل لمجرد أني «بدوي» تضايق البعض أن قلت اليوم «ارفع رأسك يا بدوي فأنت كويتي»، فراحوا يتهمونني بالقبلية ويلوون عنق المقال عن معانيه؟! يا سبحان الله! من البدوي الآن؟!يا سادة ارجعوا إلى مقالي، وهو منشور في موقعي وفي أرشيف «الآن»، وستجدون أني قلت «ارفع رأسك يا بدوي فأنت كويتي» أولا وأخيراً، وليس كما «دلس» الزميل جعفر رجب، وللأسف، فكتب أني قلت «ارفع رأسك أنت بدوي»، وكذلك حين كذب فقال إني قلت ليأكل من يعارضني التراب!وستجدون أيضا أني قلت كذلك إن مواطنتك يا بدوي ليست محل تشكيك من أحد، وإنك لست بحاجة لتذكر أحداً بكثرتك الكاثرة لتثبت هذه المواطنة، ناهيك عن أن المواطنة الحقة هي انتماء وولاء نفسي وفكري، وعطاء وبذل وتضحية، والتزام بواجبات المواطنة الصالحة قبل كل شيء.هذا ما قلته، وما سأظل مقتنعا به، لأني لا أراه يتنافى والوطنية الحقيقية، وكذلك لا أرى أن له علاقة بالأفكار الشرقية والغربية كمثل أن «رفعة» الإنسان بإنجازه والتي جاء بها الأخ جعفر رجب في مقاله في الزميلة «الراي» وهو من سأبقى أحترم، بالرغم من «تدليساته» عليَّ وللأسف!يا سادتي، لقد ضاع وطننا وتكاثرت أزماته بين خطأ وتطرف الذين أخرجوا الكيانات المجتمعية بخصوصياتها الحقيقية الواقعية من إطارها الصحيح جاعلين منها كيانات سياسية، فصارت الأمور تدار بنظام المحاصصة السياسية، وبين مثالية وطوباوية البعض ممن يظنون أنهم بإلغائها ومنعها تماما يحمون المجتمع وهم يفعلون العكس تماما! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة