تستعر الحرب «الناعمة» ضد المشروع الإيراني مع كل يوم يمر، والهدف الحقيقي والأساسي لكنه الخفي وغير المعلن والمبطن هو سحب إيران من سوق التداول الفلسطيني لا غير، وحتى ينجح هذا المخطط الحربي الناعم لابد من دفع الخصم إلى خوض الصراع من داخل القلعة.

Ad

هذا هو جوهر الصراع الجاري حول إيران، والسبب الحقيقي وراء الإصرار على التضخيم المتعمد لكل ما يجري من مراجعات ومراجعات مضادة في الداخل الإيراني، وكل ما عدا ذلك من «شيطنة» أحمدي نجاد إلى مزاعم التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات إلى المساعي الحثيثة لإظهار أركان النظام وكأنهم في حالة تطاحن على السلطة، إلى إظهار البلد والنظام والثورة والدولة وكأنها قاب قوسين أو أدنى من السقوط، ليست سوى «عدة الشغل» كما يقال.

المطلوب إشغال إيران ومن ثم إبعادها عن التأثير على أخطر محطة من محطات مراحل تصفية القضية الفلسطينية، ألا وهي محطة «التطويع الناعم» الشامل وهي المحطة التي يعد لها منذ قدوم أوباما إلى سدة الرئاسة في واشنطن على أنقاض مخطط بوش العسكريتاري المفضوح.

والتطويع الشامل هذا يتشكل من ثلاثة أضلاع:

- فرض التوطين على كل مواقع الشتات الفلسطيني عبر مجموعة من الصفقات المشبوهة مع بعض الأنظمة العربية، وإغراء بعضها الآخر بامتيازات اقتصادية كاذبة وواهمة.

- فرض التطبيع على كل الأقطار العربية والإسلامية من خلال معارك كسب الرأي العام أو ما يسمى بمعركة كي الوعي.

- تصفية حق العودة بالقوة من خلال فرض مشروعية الدولة اليهودية النقية بعد تهجير فلسطينيي الـ48 من الكيان الصهيوني في أول فرصة قادمة. وبصراحة نقول لا أحد جديا في النظامين العربي والإسلامي الرسميين مستعد لخوض معركة حياة أو موت من أجل منع تحقق أي من هذه الأضلاع الثلاثة، بل إن أغلبية الأطراف إما منخرط بهذا المخطط وإما مستسلم له بشكل أو بآخر. بالمقابل فإن قوام ما بات يعرف بالمشروع الإيراني ومن هو متحالف معه من قوى المقاومة والممانعة العربية والإسلامية والذي لطالما تم الحديث عنه بالتكهن والحدس والتخمين إنما يهدف بالأساس إلى تقويض هذا المخطط الإسرائيلي الأميركي المشؤوم. وهنا ثمة من يعتقد جازما بأن حرب الـ33 يوما على لبنان، ومن ثم حرب الـ22 يوما على غزة إلى معركة السيطرة على مطبخ صناعة القرار في بغداد إلى معركة الإمساك بقرار المفتاح النووي في باكستان إلى معركة الإمساك بقرار فتح المركزي إلى ما صار يعرف بالانقلاب المخملي الفاشل ضد النظام الإيراني، إنما خاضت معاركها إسرائيل وأميركا بهدف التحضير لمحطة التطويع الشامل العتيدة. بإمكان أي كان أن يتفق أو يختلف مع توجهات النظام الإيراني الإيديولوجية العامة، وبإمكان أي كان أن يتفق أو يختلف مع نمط الحياة «المدنية» الأميركية والغربية، إلا أن الأمر المتيقن هو أنه لا يمكن لأي عربي حر مستقل ولا لأي مسلم ملتزم ولا لأي حر من أحرار العالم أن يكون يوما مع أضلاع المثلث الأميركي الإسرائيلي الآنف الذكر، والذي يستند أساسا إلى نظرية عنصرية فاشية ونازية متعصبة مخالفة لكل قواعد وأعراف الإنسانية المعروفة في العالم.

ولما كان الأميركيون قد وصفوا طهران مبكرا بأنها بمنزلة «البنك المركزي للإرهاب»، وبالمقابل فقد اعتبرت طهران أن المعركة الأساسية، إنما هي معركة «تطويع» الثور الأميركي الهائج في المقدمة لتفكيك النظام الصهيوني في تل أبيب، فإنه من الطبيعي بعد المعارك الفاشلة التي خاضتها واشنطن على الجبهات المتعددة المحيطة «بالبنك المركزي للإرهاب» أن تقرر في النهاية تكريس جهدها باتجاه اقتحام عرين هذا «الإرهاب» المتعدد. ساذج كل من يفكر بأن واشنطن أو غيرها من العواصم الغربية مهتمة اليوم بشيء اسمه نزاهة الانتخابات في إيران أو في غير إيران، وساذج أكثر من يفكر أنه في صراعه مع السلطة الحاكمة في طهران اليوم إنما يخوض معركة الديمقراطية والحريات بمعزل عما يجري بين واشنطن وطهران على مستوى العالم والإقليم.

لأهل الداخل أقول ممن لايزال بعض الأمل موجودا فيه بالعودة إلى رشده قبل فوات الأوان: إنه من السذاجة بمكان الاعتقاد اليوم بأن يبقى تعريف الخيانة والجاسوسية لديه في هذا العصر العولمي المتأمرك والمسكون بثورة الاتصالات والمعلومات الطوفانية لا ينطبق إلا على من يذهب مع نهاية كل شهر ليقبض راتبه الشهري من هذه السفارة أو تلك!

ولأهل المحيط والإقليم من إخوة العروبة والإسلام ومن على جسر المحبة أقول، إنه من السذاجة بمكان الاعتقاد اليوم بأن بإمكان أي أحد أن يقضي على نظام طهران الذي معه تتفقون أو تختلفون، ناهيكم أن يكون ذلك مفيدا لكم، إذا لم يكن بمنزلة انتحار سياسي بكل معنى الكلمة.

فقوام الدولة الإيرانية مستحكم أكثر من أي وقت مضى، واقتدار نظام الحكم في طهران لم ولن يتأثر بما جرى وما يجري من تصعيد ضده، إذا لم يكن العكس هو الصحيح، أي أنه كلما صعدتم ضده وتعاضدت مساعي الخارج الإقليمي والدولي مع بعض المنبهرين بنمط حياة الغرب «المدنية» أو الذين ذهبت بصيرتهم السياسية بعيدا، تماسكت قواه الداخلية وأصبح أكثر صلابة، وصار عصيا على الكسر أو الاستسلام للمشروع الأميركي المثلث الأضلاع أكثر فأكثر.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء