بدت المواضيع التي نوقشت في المؤتمر الدولي حول أفغانستان هذا الأسبوع مألوفة على نحو مشؤوم، لذلك نستطيع التغاضي عن قيام أولئك الحاضرين بعصر أدمغتهم لتذكّر ما إذا كانوا سمعوا كل ذلك من قبل خلال يناير في لندن، أو طوكيو، أو باريس، أو في أي من المدن التسع، حيث التقى وزراء الخارجية طوال العقد الماضي لمناقشة مصير أفغانستان المتزعزع.   

Ad

مُنح كل من الموفدين الثمانية والستين، الذين جلسوا حول طاولة كبيرة في وزارة الخارجية الأفغانية، خمس دقائق للحديث عن المسائل التي تهمّه. أراد البعض التقدم في مسألة معالجة الفساد أو توزيع المساعدات الخارجية بفعالية أكبر، بينما طالب البعض الآخر بحكومة أقوى أو المزيد من التدريبات للجيش الوطني الأفغاني، لكن لم يقل الموفدون ما يثير الحماسة، باستثناء وزير الخارجية الإيراني الذي عبّر بشكل ساخر ومطوّلاً عن رأي مغاير متحدّثاً بصرامة عن القوّات الدولية، ومعتبراً إياها السبب وراء تفاقم الوضع الأمني.   

مع ذلك، الجديد في هذا المؤتمر الذي جرى بسلاسة في العشرين من يوليو أنه أول مؤتمر يُعقد في أفغانستان نفسها، ولحسن الحظ فشلت حركة طالبان في تعطيله، وكان المقصد من ذلك إثبات مساعي الحكومة الناجحة، بعد تسع سنوات من غزو الغرب، لتحويل أفغانستان إلى بلد يستطيع الاعتناء بنفسه.

قد لا يأتي ذلك اليوم في وقت قريب بما يكفي بالنسبة إلى أولئك الذين كانوا جالسين حول الطاولة الكبيرة، بينما يحاولون بشتّى الطرق تبرير الخسائر في الأرواح والأموال لشعوبهم. تحدّثت الحكومة البريطانية في الأيام الأخيرة بشكل مشدّد أكثر من أي وقت مضى، ووسط تزايد حاد في الإصابات البريطانية، عن إنهاء العمليات القتالية في أفغانستان في غضون أيام قليلة.

من جهتها، وصفت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، كيف "يتساءل مواطنون من أمم كثيرة ممثلة ههنا، بما فيها بلدي، عما إذا كان النجاح ممكناً أصلاً، وإن كان ممكناً بالفعل، عمّا إذا كنا جميعاً ملتزمين بتحقيقه".

لسوء حظ أفغانستان، يجمع الدبلوماسيون والمراقبون لشؤون البلاد على المدى الطويل على الفشل المحتمل لاستراتيجية مكافحة التمرّد، لا سيما إن قررت القوى الخارجية اليوم عدم أخذ الوقت الضروري لبناء دولة أفغانية مستقرة لمقاومة التمرّد والأعمال المشينة الناجمة عن تدخل الدول المجاورة. هذا وساد جو من التشاؤم في بعض الأوساط، فقد اعتبر أحد الدبلوماسيين الأوروبيين أن البلاد لا تطرح مشكلة سوى في المنطقة الواقعة فيها، مضيفاً بأنه لا يستطيع التفكير في سبب واحد يدفعه إلى الموت من أجل أفغانستان.  

بمثل هذه الأفكار، بدت معظم الخطابات غير متّصلة بالموضوع. من جهته، أدلى الرئيس الأفغاني المقلق، حامد كرزاي، حتّى الساعة بالخطاب الأكثر إثارةً للدهشة. بطرق ما، ذلك كان الخطاب الذي انتظر منتقدوه الكثيرون ست سنوات لسماعه. قال بروح متفائلة إن معادن البلاد (التي كُثر الحديث عنها في الأشهر الأخيرة) قد تساوي قيمتها تريليونات الدولارات وبالتالي "تجعل بناء الدولة عملية قليلة التكلفة". قال إنه يأمل أن تصبح البلاد "نقطة التقاطع الآسيوية" للتجارة على "طريق الحرير الجديد" بفضل "قطاع خدمات حيوي". سيُحال بالتالي قدامى الموظفين المدنيين إلى التقاعد، ويُوظّف الشبّان المندفعون. هذا وسيُحاكم المسؤولون الفاسدون على وجه السرعة. في المقابل، دعا إلى تنمية طويلة الأمد، وليس إلى مقاربة "ذات وقع سريع" يؤيّدها الأجانب.  

في هذا الإطار، يعلّق مارتين فان بيغلرت، دبلوماسي سابق يعمل اليوم في منظّمة the Afghanistan Analysts Network: "كُتب هذا الخطاب لبلد لا يشهد حرباً". لعل كرزاي استعان بأشرف غاني، منظم المؤتمر، لكتابته. ترشّح هذا الأخير، مسؤول سابق في البنك الدولي، ضد كرزاي في العام الماضي، منتقداً بشدّة سجل الرئيس الأفغاني حول الفساد والتزوير الذي تلا الانتخابات، لكنه اليوم "يدعو كرزاي بـ"فخامتك" 30 مرّة في اليوم"، على حد قول أحد المحللين السياسيين الأفغان التهكميين.  

في المقابل، قد يقول المتفائلون إن كرزاي محق في تسليط اهتمامه على مستقبل البلاد، فبعد نصف قرن من بدء النقاش للمرة الأولى، عقدت الحكومتان الأفغانية والباكستانية هذا الأسبوع اتّفاقاً تجارياً بعد مرور نصف قرن تقريباً على بدء مناقشته. من شأن هذا الاتّفاق منح المنتجين الأفغان نظرياً ممراً أفضل للسوق الاستهلاكية الواسعة في الهند، على الرغم من أن التجارة بين الهند وباكستان شبه معدومة، ومن جهتها، تبذل الولايات المتحدة، بعد هدرها تسع سنوات، المزيد من الجهود الجادة لبناء الدولة، لا سيما في ما يتعلّق بتحسين الجيش والشرطة.

يبقى الأمل أن تكون هذه الجهود فعّالة بما يكفي بحلول عام 2014 لقيادة العمليات الأمنية تدريجياً، كما ورد في البيان الختامي للمؤتمر. حتّى عندئذ، لن تنتهي واجبات القوى الأجنبية، ويعقّب فوغ راسموسن، أمين عام منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو): "حين يحدث ذلك، لن تغادر القوات الدولية، إنما ستتحول فحسب إلى دور داعم". لكن ذلك يتناقض مع مساعي الآخرين الرامية إلى فرض حدود زمنية على وجود القوّات.

والأسوأ من ذلك، تخشى مجموعة متزايدة من المتشائمين الأفغان ألا يتمكن الجيش الوطني أبداً من فرض سيطرته على جنوب البلاد. يشير هؤلاء إلى الصعوبة الكبيرة التي يواجهها الجيش في تجنيد البشتون الجنوبيين، الذين تلاقي أسرهم الموت المحتم إن اكتشف المتمرّدون أن أبناءهم يخدمون في الجيش، ويبدو من المستبعد أن تزداد قوّة الحكومة الأفغانية بما يكفي لإملاء شروطها على طالبان.

من جانب آخر، انتقل خبراء السياسية الأفغانية إلى أبعد من مسألتي بناء الدولة ومكافحة التمرّد، فعلى حد اعتقادهم، من شأن اتّفاق مع طالبان فحسب، وربما حتّى تقسيم بحكم الواقع يتنازل للحركة عن الجنوب المؤلّف من البشتون بأغلبيته، فرض استقرار كاف يسمح للقوّات الأجنبية بمغادرة البلاد بشرف.

في المقابل، لم يأت كرزاي أو البيان الختامي على ذكر كلمة "مصالحة" مع القادة المتمردين، فقد التزم بنهج كلامي يصادق عليه الأميركيون: لن تُعقد اتفاقات سوى مع متمردين "مستعدين للقبول بالدستور والتخلي عن أي روابط مع تنظيم القاعدة". لكن مثل هذا الكلام يبدو غير مقنع طالما أن طالبان تواصل تحدي المساعي الأميركية لتهدئة حتّى منطقة ريفية صغيرة مثل مرجة في ولاية هلمند.

 من جهتهم، يفيد الواقعيون الأكثر براغماتيةً، بمن فيهم بعض الدبلوماسيين الجالسين في الظل وراء رؤسائهم في الوزارات، بضرورة القيام بتنازلات مؤلمة، لا سيما في ما يتعلّق بحقوق المرأة (التي شدّدت كلينتون على ألا يُضحّى بها). يشير مثلاً فرانسيسك فيندريب، مبعوث سابق من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى كابول، بأسف إلى أن الانتخابات المباشرة لحكّام الولايات قد تُدرَج كآلية يُسلّم الجنوب بموجبها إلى طالبان والشمال إلى أسياد الحرب الأوزبك، الهزاريين، والطاجيك. ستكون هذه الآلية بمنزلة استراتيجية قائمة على مبدأ "فرّق وارحل" أكثر منها على مبدأ "فرّق تسد".