الحرب صنيعة الإنسان، وكذلك الإبداع. ما من حقبة تاريخية كبرى تمر بها أمة من الأمم، إلا وتولّد إبداعها، وكتابها، وشعراءها ومخرجيها، جنباً إلى جنب والأحداث الجسام، لذلك فإنه غالباً ما ينظر إلى الحربين العالميتين وكأنهما مصدر إلهام لميلاد الحركات الإبداعية الكبرى.

Ad

قد تكون بعض هذه الحركات محدودة وقصيرة الأجل، كالدادائية التي ولدت إبان الحرب الأولى، واتخذت من العبث واللانظام منهجاً لها، وقد تكون أبعد أثراً وأطول عمراً كما هو الحال مع السريالية التي انبجست بعد الحرب الثانية، واستمر تأثيرها حتى أواسط السبعينيات من القرن المنصرم. هاتان الحركتان لهما علاقة بالإبداع التشكيلي الذي يكون عرضة للتحوّل، وأكثر تجاوباً مع التجريب من الفنون الأخرى التي هي في حاجة إلى تريث أكثر حتى تتعمق التجربة ويتشرّبها روح الإنسان/ المبدع.

كُتب الكثير عن جيل السبعينيات من المبدعين العرب، وأثر حرب أكتوبر على نتاجهم من الشعر والرواية، وقبل ذلك جيل الستينيات الذي نشأ على الحروب العربية الإسرائيلية المتتابعة، وبذلك يكون عرضة لمصطلحات المقاومة والتخوين والأدب الملتزم/ وهي مصطلحات بحسب رأيي تضرّ الإبداع أكثر مما تنفعه، لأننا في حال تمسكنا بتوجيهات المؤسسة والجماهير المأخوذة حينها بالخطاب السياسي والعسكري لا ننتج سوى أدب أقرب إلى التوثيق السياسي، منه إلى العمق اللغوي والرصد الإبداعي المتمثل في تطور النتاج الطبيعي لإبداع أمة من الأمم. وفي ذلك يقول خليل قنديل: «ومازال جيل السبعينيات يذكر كيف كان نقاد التنظيم الثوري يعملون على الاحتفاء بأعمال أدبية هي محض ضجة منبرية ولغوية، ويضعونها في مصاف الأعمال الإبداعية العالمية، بينما يعملون في الجانب الآخر على تهميش وإقصاء العديد من الأعمال الإبداعية ذات الحفر الإنساني العميق والموجع بحجة عدم التزام هذه الأعمال بالمد الوطني السائد وقتها، أو عدم تماهيه معها».

وأما إذا أردنا إحصاء الحروب العربية التي مرت بها المنطقة، فهي أكثر من أن تُحصى، وبعد الحديث عن الحروب العربية الإسرائيلية المتتالية نجد أنفسنا أمام: الحرب الأهلية اللبنانية، وحرب توحيد اليمن، وحرب الخليج الأولى، ومن ثم حرب الخليج الثانية أو حرب تحرير الكويت، والحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان 2006 و2008، وحرب غزة. ماذا أنتجت هذه الحروب جميعها؟

أتفق مع من يقول إن بعض هذه الحروب لم يستمر سوى بضعة أسابيع، وبعضها أشهر وسنون، إلا أن ثمة أثراً كبيراً بات يتجلى في الأعمال السينمائية والمسرحية بالدرجة الأولى، ومن ثم تأتي الفنون المكتوبة الأخرى كالشعر والرواية، وللجانب التسويقي الآني دور في رواج السينما، ولكنما الأعمال الإبداعية الأخرى تبقى رهينة التجريب والتوثيق الذي يحتاج إلى دراية وخبرة نقدية تتيح المجال لتتبع هذه الأعمال ورصدها.

إبان حرب التحرير في الكويت ظهرت العديد من الأعمال القصصية والشعرية التي هي في حاجة إلى دراسة حقيقية تستقصي السمات العامة للمرحلة الإبداعية، بدلاً من الدراسة النقدية الفردية القائمة على مقاربة عمل واحد، واستقصاء حالاته، دوناً عن المد الكتابي والأسلوب الأدبي المميز للمرحلة برمتها.