باستثناء الأثرياء أو ربما الذين لهم حظ معقول من المال أتساءل عن الذين يستطيعون شراء قطعة أرض لا تتجاوز مساحتها 400 متر مربع بقيمة لا تقل عن 150 ألف دينار، والأغلبية سيحتاجون إلى مثل هذا المبلغ على أقل تقدير لبناء منزل بسيط في منطقة معقولة بدولة "البوارح" والغبار. كيف يمكن للشباب أو أهاليهم توفير ما لا يقل عن ثلاثمئة ألف دينار أي ما يعادل مليون دولار لشراء منزل العمر لأبنائهم كي يستهلوا حياتهم الزوجية؟ الأمور شبه مستحيلة، ولا حل غير انتظار سنوات طويلة حتى تخصص لهم الدولة الأرض، ويمنحهم بنك التسليف القليل من المساعدة لبناء المنزل... وما عليهم غير الانتظار والانتظار الطويل ولسنوات غير معلومة حتى يفرجها الله عليهم.

Ad

الحل الآخر والمعقول، الذي يفترض أن تشجعه الدولة بالأفعال لا بالأقوال، يتمثل في خيار الامتداد الرأسي للبناء، أي بشراء الشقق، وتشجيع الشباب على امتلاكها، لكن ماذا فعل المشرع لذلك؟ لا شيء حسب ما أعلم، فلا يوجد غير نصوص قليلة في القانون المدني تبدأ من المادة 848 إلى المادة 874 التي تنظم الملكية الشائعة. معظم هذه النصوص هي قواعد مكملة بتعبير أهل القانون، أي قواعد لا تأمر ولا تلزم أهل الشأن وإنما تستكمل ما تم الاتفاق عليه، وبالتالي ينتهي الأمر بفوضى ملكية الشقق وترك الملاك لرحمة تجار العقارات، وعدم اكتراثهم حين تتم عملية بيع الشقة للمشتري، ويترك الأخير وشأنه في الخدمات المفروضة للعقار.

سأعطيكم مثالاً على ذلك، فمثلاً إذا اشتريت شقة في دولة أوروبية أو ربما أي دولة تنظم ملكية الشقق، تجد هناك ما يسمى "اتحاد الملاك"، الذي يفرض بصيغة "الإلزام" رسوماً محددة على كل مالك في الشيوع (مالك شقة بالعمارة السكنية) بدفع مبالغ محددة شهرياً، من أجل خدمة وصيانة العقار له وللشركاء في ملكية العقار، مثل خدمة المصاعد وصيانة العقار إلى آخره... وهنا لا يحتاج "اتحاد الملاك" إلى حكم من المحكمة المختصة لإلزام أحد الملاك بدفع رسوم الخدمة، وإنما يلزم بها "أوتوماتيكياً"، مثلها مثل ضرائب أو رسوم الدولة لا جدال فيها.

في الكويت نجد أن معظم النصوص، التي تنظم موضوع "اتحاد الملاك"، تبدأ بكلمة "يجوز"! فمثلاً تنص المادة 859 من القانون المدني على 1- يجوز للملاك بأغلبية الأنصبة أن يكونوا اتحاداً لإدارة العقار وضمان حسن الانتفاع به... إلخ.

ماذا لو لم يتفق الملاك على إنشاء مثل هذا الاتحاد... ماذا سيحدث؟ ماذا لو تعطل المصعد لساكن في الدور العاشر وطلب من الساكن في الدور الاول أن يدفع حصته لصيانة المصعد؟ سيقول بداهة: ما شأني أنا بالمصعد... "كلها درجتين وأصل شقتي"! ماذا لو تعطل المكيف المركزي على بعض الشقق دون أخرى أو انفجرت ماسورة الماء في شقة ما... فماذا سيكون مصير المبتلين بالشخصية الأنانية لأحد ملاك الشقق، حين يرفض المساهمة في الصيانة؟ لا حل لهؤلاء سوى انتظار حكم المحكمة بعد شهور أو سنوات طويلة من دون مصعد أو مكيف أو ماء...! وحتى حين صدر قرار وزير العدل رقم 64 لسنة 81، بدأ القرار مرة أخرى بصيغة "يجوز"، فلا إلزام ولا فرض إنما يترك الأمر للقدر وللجواز.

على المشرع الآن، وهذا هو الوقت المناسب اليوم وبعد فوات أكثر من ثلاثين سنة على صدور القانون المدني، أن يبادر إلى تعديل نصوص القانون "بفرض" إنشاء اتحاد الملاك بشخصية معنوية مستقلة على كل من يود أن يسوق عمارته في أسواق العقار... ولا يترك الأمر لقرار ذاتي من ملاك حصص الأغلبية، فنحن، في آخر الأمر، في دولة "أنا وبس"... والشباب ينتظرون الفرج في تملك المعقول بشقق سكنية، ولابد من حماية يوفرها لهم المشرع... عدلوا تشريعاتكم يا جماعة قبل نسج الأحلام حول مدينة الحرير.