خذ وخل : عيد الاب السري!


نشر في 28-06-2009
آخر تحديث 28-06-2009 | 00:01
 سليمان الفهد يبدو لي أن الذين ابتدعوا عيد الأم اكتشفوا أخيراً وبالمصادفة، الأبوة مرمية مهملة وملفوفة بخرقة جوار جدار أحد المساجد أو الحسينيات أو الكنائس أو المعابد «لاحظ مسح الجوخ للوحدة الوطنية!» وشاؤوا رد الاعتبار لها، تأسيا بعيد الأم ما غيره.

• انتابتني صدمة نفسية شديدة الوطأة، كادت تنقلني مباشرة من جبل لبنان إلى مقر «العصفورية» إياه والعياذ بالله! والمسألة وما فيها، أن بعض الإخوة اللبنانيين الحداثيين المعولمين حتى النخاع صاروا يحتفلون بعيد الأب! والعبد لله لا يبرئ نفسه! لكني لم أكن أعلم بأننا استوردنا عيد الأب، كما هو شأننا مع عيد الأم وعيد الحب وغيرهما من المناسبات الحداثية المعولمة!

الشاهد أني علمت من الأخبار الصحافية أن 21 الجاري مكرس لعيد الأب، ولم أصدق خبراً! فقد وجدتني «بيوم الوقفة» لهذا العيد أذهب إلى حمام عثمانلي تركي في بيروت، بداية لاحتفائي بالعيد واحتشادي له، ومن ثم أتممت طقوس الزينة والتزويق لصلعتي الأبية وطلعتي البهية، ظانا أن العطار والحلاق ومن لف لفهما، بمقدورهم إصلاح ما أفسده الدهر وعوامل التعرية! والذي راعني وأثار حفيظتي ونكدي واشمئزازي هو أن الساعات الأولى من العيد انقضت دون أن أشعر بأبوتي، على الرغم من أني متزوج جداً... ولله الحمد!

لأول وهلة ساورني الشك بأني عقيم وامرأتي عاقراً لم ننجب ذراري البتة! من هنا قلت لنفسي الطافحة بالإحباط، في معرض مواساتي لها وتعزيتها: لا عليك إذا اكتشفت أنك «سفن أب» لا أب! فلا تقنط من إهمال الأولاد وعقوقهم، فمازال الوقت مبكراً على تلقي الهدايا والعطايا والتهاني المكرسة للاحتفاء بالآباء.

* ويبدو لي أن الذين ابتدعوا عيد الأم اكتشفوا أخيراً وبالمصادفة، الأبوة مرمية مهملة وملفوفة بخرقة جوار جدار أحد المساجد أو الحسينيات أو الكنائس أو المعابد «لاحظ مسح الجوخ للوحدة الوطنية!» وشاؤوا رد الاعتبار لها، تأسيا بعيد الأم ما غيره.

فكان شأنهم مثل ذاك الذي جاء يكحلها فعماها! لأن المناسبة بدت لي كما لو أن العيد سري يتم ممارسة طقوسه من وراء حجاب، تماماً كفعلة منكرة تستوجب العتمة والستر! وشرع شيطان الوسوسة يحرضني على اتخاذ موقف صارم ضد أولادي البيولوجيين الذين من صلبي، وبمعيتهم عيالي الروحيون الذين لم أتزوج أمهم من جراء انتهاء العمر الافتراضي لعدة الباه والفحولة، ولأن «الفياغرا» في أرذل العمر قد تفيد في قيام السبابة وتحريكها للتشهد في ختمة الصلوات بس!

وكأب يتماهى جيداً مع شخصية «سي السيد» وجدتني أصرخ بصوت حزين وإيقاع «ميلودرامي» متهدج قائلاً: إن أولادي لا ينتسبون لي، بدون الحاجة إلى اللجوء إلى تقنية الـ»D.N.A» كما أني موقن بأن أمهم ليست «مريم» المعجزة، فلا غرو والأمر كذلك أن يكونوا كما نبات «الفقع والكمة» نبت رباني خرجوا إلى الدنيا من رحم الطبيعة الربانية! وحين أشرف نهار 21 يونيو الجاري على الغياب في عباءة الليل أيقنت أن عيد الأب في لبنان قد يكون خاصاً بأحد القديسين لطائفة ما فيها. فلعل الأب المقصود المحتفى به في هذا العيد هو لواحد منهم، ومع ذلك شعرت بمكابدة جدلية تتأرجح كبندول ساعة بين مقولة «لا يأس مع الحياة» للزعيم الوطني المصري «مصطفى كامل» وبين قولة عمنا المعلم ابن البلد القح الفنان الفذ «عبدالفتاح القصري» القائلة: «لا يأس مع الحياة، ولا حياة لمن تنادي!» والحق أن الذي حرضني على تدبيج هذه الخاطرة هو عمنا «أبو عثمان الجاحظ» الذي كان إذا شعر بأي نكتة ملحاحة تستحوذ على تفكيره، استجاب لها بتدبيجها على الورق، غير عابئ بعواقبها وتبعاتها، وبخاصة من طيور الظلام إياهم.

ما علينا، فالمؤكد أن المخلوق، أيا كان حبه، مجبول على حب أولاده، وفي هذا السياق قال أجدادنا القدامى: كل مخلوق يحب ولده حتى الحبارى، المعروف بشدة غبائه وحمقه.

وبذا نكون أنهينا هذه الخاطرة نهاية سعيدة تليق بفيلم هندي أو عربي!

back to top