الفنان التشكيلي د. عبد المنعم معوّض: العشوائية حطّمت تراثنا والخيامية مصدر إلهامي

نشر في 23-06-2009 | 00:00
آخر تحديث 23-06-2009 | 00:00
عبر معرضه الأخير في القاهرة بجامعة حلوان حملنا د. عبد المنعم معوض إلى عالمه المشبع بالصوفية، فداعب البصر والروح من خلال مساحات لونية متداخلة في غزل وجداني رفيع كأنه مناجاة صاعدة إلى السماء، وانتشلنا لدقائق من عشوائية حياتنا وصخبها.

حول المعرض وأهمية شكل المربع فيه وجمال مصر كان الحوار التالي.

أقمت أخيراً معرضاً بعنوان «مربعات معوض الصوفية»، ماذا تمثّل لك اللوحات الـ 24 فيه لا سيما أنك غائب عن الساحة الفنية المصرية منذ 13 عاماً؟

تمثل البعث الجديد، فرغم تواصلي مع فني بالخارج حيث أقمت عدداً من المعارض في كندا وإيطاليا خلال فترة عملي كمستشار ثقافي لمصر في إيطاليا، إلا أن التواصل مع الوطن له مذاق آخر، لذا حرصت على أن أتناول في هذا المعرض كل ما يمثل العودة إلى الحياة بشكل جديد. كذلك أرسم المربع بريشة جديدة، بعيداً عن محاولات الفنانين السابقة مع هذا الشكل الهندسي.

لماذا المربع تحديداً؟

المربع أساس الأشكال الهندسية التي يخرج منها المثلث والمستطيل والنجمة والدائرة والمكعب... وفلسفياً، هو أساس الكون ومركز الكرة الأرضية. أليس الكعبة المشرفة قائمة على شكل مربع؟ التعامل مع المربع يفرز أشكالاً متنوعة ورائعة في الوقت ذاته، ومهما ظل الفنانون يرسمونه سيبقى هذا الشكل الروحاني غير متناه، ولن يكف عن تقديم الجديد دائماً.

كيف تعاملت مع هذا الشكل الهندسي؟

عمدت إلى تحليل المربع في اللوحات كافة بحركات وأشكال مختلفة، لذا تجد فيها نوعاً من الحركة والديناميكية اللانهائية. قسمت اللوحات إلى رباعية وثلاثية وثنائية وأحادية، واستطعت تحريك المربع من داخل الصورة إلى خارجها، وداخلها بحركات دائمة غير متناهية لذا عندما تشاهد أي لوحة تشعر بخدع بصرية رغم أنها ذات بعدين فقط.

كيف استطعت تصوير هذا الإيهام البصري؟

عبر الألوان الباردة والصارخة، وتقنية الظل والنور واللون العاكس وغير العاكس، أو اللون وضده.

ثمة ألوان يصعب التعامل معها، كيف أحدثت هذه العلاقة اللونية؟

لا أشعر بالرهبة عند التعامل مع أي لون. مثلاً ألوان الأحمر والأصفر والأزرق لا يحدث بينها انسجام أو تفاعل، وهو أمر متعارف عليه بالدراسة والبحث، لكن عبر حسابات معينة تستطيع الجمع بين هذه الألوان وتحقيق تفاعلها مع ألوان أخرى لتصل إلى ألوانك الابتدائية أو الأساسية.

في النهاية تجد أن هذه الألوان متوهجة ومليئة بالصخب والقوة إضافة إلى الانسجامية والتضاد في اللوحة الواحدة. للوصول إلى ذلك لا بد من البحث والخبرة الطويلة.

حدثنا عن الألوان المفضلة لديك؟

أعشق الألوان كافة، وأفضل الأزرق بدرجاته التي ترمز إلى الصفاء والأخضر بدرجاته التي ترمز إلى الحياة، كذلك أعشق الأحمر منذ الصغر فقد كنت أراه في أشيائنا البسيطة، في وحدتنا الشعبية لأنني نشأت في حي الدرب الأحمر حيث صناعة الخيامية بألوانها الصريحة وصندوق الدنيا والحلاوة العسلية، وحيث عربات البطاطا المزخرفة بألوانها الزاهية.

تلك المناظر كافة أثرت في طفولتي، وأفرزتها حينما وصلت إلى سن الشباب، لأخرجها في هذا المعرض بعدما وصلت إلى الستين.

هل جاء التفاعل مع المربع من البيئة الشعبية؟

طبعاً، فحي الخيامية أفرز كل ما يتصل بالمربع في الخيم والمشربيات والأسبلة والمساجد والأضرحة والزخارف المختلفة على واجهات المباني. كذلك تجد المربع في الحضارة المصرية القديمة لأنه أساس قاعدة الأهرامات، وفي الخط الهيروغليفي والجداريات القديمة وقد نقله الغرب عنَّا بعد ذلك. إنه أساس الهندسة والعمارة وما تفرزه من أشكال أخرى.

ماذا عن مّدة التحضير للمعرض؟

استغرق الإعداد للمعرض حوالي عامين، إضافة إلى فترة التحضير لأنني أرسم الفكرة في «اسكيتشات» وأحللها، ثم أرسم لوحات المعرض.

لماذا تلجأ إلى رسم آيات قرآنية وحروف عربية ضمن لوحاتك؟

بسبب نشأتي الدينية. تجد في معرضي 12 لوحة لسورة «الإخلاص» بالخط الكوفي المعروف بروحانيته الكبيرة، والإخلاص عندي يعني إخلاصاً في عملي وتعاملي مع الآخرين، ذلك هو التصوف الحقيقي.

ما المقصود بالفراغ، خصوصاً أن بعض اللوحات يخرج فيه الشكل عن الإطار؟

يمثّل الفراغ منظومة تشكيلية. مثلاً، الفراغ الأسود يرمز إلى الفضاء الكوني ويتطلب إحداثه في اللوحة عملية حسابية دقيقة، لذا لا تجد أن مساحة الفراغ متناسقة مع اللوحة والمسطح والجسم الذي يشغله.

توليت منصب مستشار وزير الإسكان المصري لتجميل المدن، حدثنا عن هذه الفترة؟

كنت أول مستشار لوزير الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة لشؤون تجميل المجتمعات العمرانية في مصر عام 1989. لم يستمر عملي سوى أشهر معدودة فقد غادرته من دون إخبار أحد حتى أنني تركت مستحقاتي المالية بعدما اكتشفت أنه عمل روتيني، إضافة إلى أن القرارات التي طرحتها لم تنفذ، وإن كانت وجدت طريقها إلى التنفيذ لتغير الحال الآن.

ما هي هذه القرارات؟

طالبت بأن يكون لكل مدينة شخصية وطابع معماري خاص بها. كذلك شُرّعت قوانين لم يتم تفعيلها مثل منع تشويه واجهات المباني تحت أي مسمي، وتغريم الفاعل مادياً والالتزام باللون الخارجي لكل مبنى.

كيف تنظر إلى جمال مصر؟

حينما أكون خارج مصر لا أسمح لأحد بانتقادها مهما بلغت مكانته، لكن حينما أعود إليها أكتشف أن ما يقال عنا في الخارج حقيقة مريرة فكل شيء تغير نحو الأسوأ، من عمارة وفنون وسلوكيات. لقد هزمت العشوائية تراثنا وحضارتنا الجميلة بعد أن كانت الحارات المصرية تغسل بالصابون من فرط حرص الناس على نظافتها وتجميلها، اليوم أصبحت مكباً للنفايات، والتلوث اغتال العمارة والفنون.

back to top