تفادى مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة تقديم تعديلات على قانوني المطبوعات والنشر والمرئي والمسموع، والعذر كما نقلت الزميلة «القبس» غياب رئيس مجلس الوزراء نظراً لعلاجه في الخارج.

Ad

مجلس الوزراء اليوم أمام مأزق تجاه إصدار أي تعديلات على القانونين، ووجد عذره بوجود رئيسه في الخارج، كما يريد وزير الإعلام كسب مزيد من الوقت لامتصاص تداعيات أزمة تصريحات محمد الجويهل لaأن استجوابه أصبح استحقاقاً سيُقدم عليه نواب ميثاق الإنقاذ عندما أقسموا بذلك أمام ناخبيهم في تجمعي الأندلس والعقيلة.

مختصر ما يحدث هو: مجلس الوزراء يرغب في تخفيف الضغط على وزير الإعلام لتفادي الاستجواب، ونواب المعارضة يريدون أن يبروا بقسمهم من خلال التضييق على الحريات.

ركزوا جيداً في طريقة التعاطي مع الملفات في بلادي، نواب يقسمون في الشارع، وحكومة تضع نفسها في مأزق، والحل يكون بالتضييق على الحريات.

قانونا المطبوعات والمرئي أتيا بإجماع النواب والحكومة عام 2006، وكرسا حقاً أصيلاً بالتعبير عن الرأي، والآن تبحث الحكومة مع نواب المعارضة تغليظ العقوبات بسبب شخص قدم برنامجاً حمَّله سباً وقذفاً ممجوجين، وتضمن أيضاً حريته في التعبير عن رأيه في مسألة ازدواج الجنسية، وكانت النتيجة أن خرج للشارع حوالي 25 ألف معترض بسبب ساعة بث على الهواء.

محمد الجويهل يتحمل مسؤولية ما قاله وموضوعه اليوم منظور أمام القضاء، ووزير الإعلام سيُقدم بحقه طلب استجواب، وقوى المعارضة تريد أن تتمدد خارج حدودها، فما ذنبي أنا كصحافي وعدد من زملائي الملتزمين برسالتنا، بما قاله الجويهل أو ما يريده نواب المعارضة أو ما تنوي عليه الحكومة؟ ولماذا تتعرض حريتنا للتضييق لذنب لم نقترفه؟

حل أي مشكلة تتعلق بالحرية يكون بالمزيد من الحرية، لكن المأساة أن لدينا قانوناً قائماً، ومع ذلك نرى من يريد تغليظ العقوبات فيه لضبط الممارسة، والمؤلم أن ما يحدث كله ردة فعل، وليس أصل المسألة، فتغليظ العقوبة لن يضبط الممارسة، بل النقد وعمق التجربة والخبرة التراكمية، بدليل أن محمد الجويهل أو غيره لو توجه إلى أي دولة أجنبية وأنشأ فيها قناة فضائية، وقدم من خلالها نفس البرنامج وحمّله المحتوى نفسه، فلن تطوله أي عقوبة، وهذه أزمة موجودة اليوم وتعانيها دول ومجتمعات وطوائف، بسبب التطور التكنولوجي لوسائل الإعلام وليس القصور التشريعي، لأن قانون الدولة لا يجرِّم أي فعل خارج حدودها، كما أن تغليظ العقوبة سيوسع دائرة التبرئة، ورفع مبالغ الغرامات سيمكن من لديه المال ليقول ما يريد.

في الغرب هناك سقف مرتفع لحرية التعبير، ويوازيه مستوى عال للمسؤولية، وبينهما وعي مجتمعي، ولذلك هناك انضباط في ممارسة حرية الرأي، أما نحن فلدينا سقف مرتفع لحرية التعبير يوازيه مستوى متدن للمسؤولية، وشبه غياب لوعي المجتمع بحق التعبير، ولهذا تحدث عندنا فوضى.

وفي الغرب أيضاً، هناك قوانين تجرم الحث على الكراهية بين الأصول والأعراق والأديان، وكذلك العنصرية ومثلها معاداة السامية، وهذه القوانين تطبّق لتحصين المجتمع، بينما نحن لدينا محاذير محددة في قانون المطبوعات وقانون المرئي والمسموع، لكن المعنيين بتطبيق القانون لا يطبقونه، ولا يمارسون صلاحياتهم، وإن مارسوها نجدهم يمارسونها إما كرد فعل وإما بتعسف وإما يكيلون بمكيالين.

معاناتنا في الكويت ليست نابعة من حرية التعبير، بل من ازدواج المعايير، وأدلل على ذلك بكون من طالب بحق النائبين ضيف الله بورمية وخالد الطاحوس بالتعبير عن رأيهما خلال الانتخابات في أبريل الماضي، هم أنفسهم من يطالبون اليوم بتغليظ العقوبات ورجم الصحافيين وإعدام من يعبر عن رأيه، مع الإشارة إلى أنني ذكرت في 22/4/2009 في نفس الزاوية أن «من نُطالَب اليوم بالوقوف معهم وتبني قضاياهم، أشخاص يتعاملون مع الحريات على أنها قائمة طعام في مطعم فاخر... فالحريات لأنصارها الحقيقيين كل لا يتجزأ، ولا يجوز تفصيل الحريات بحسب مقاس أو على هوى ممارسيها... نحن ننتصر لموقف مبدئي، ولأننا ليبراليون نناصر الحريات، وهم يمعنون في تقييد حرياتنا».