"مام" جلال الطالباني، رئيس العراق، هو الوحيد من بين المطلعين على الوضع العراقي والمتابعين له، عرباً وعجماً وأكراداً وأميركيين وأوروبيين، الذي يصر على أنه "لم يلاحظ شخصياً في الفترة الأخيرة أن هناك تدخلات إيرانية (كبيرة) في الشؤون العراقية الداخلية"، وهو الوحيد أيضاً الذي يؤكد بدون أن يرفَّ له جفن أن الإيرانيين "ينظرون اليوم من بعيد" إلى ما يحدث في بلاد النهرين.

Ad

و"مام" جلال يهمه، كما هو واضح، توحيد الصف الشيعي العراقي أكثر مما يهمه توحيد العراق نفسه، وكل هذا مع أن المفترض أن توحيد هذا البلد، الذي تمزقه الاستقطابات الطائفية والمذهبية المدفوعة بتدخلات خارجية أكثرها سفوراً وفجوراً التدخل الإيراني، أمانة في عنقه، على اعتبار أنه رئيس الجمهورية التي إن هو بقي رئيساً لها فإنها قد تصبح جمهوريات متعددة معظمها لن يكون إلا مجرد محميات إيرانية تحرسها وترعاها عينا الولي الفقيه في طهران، وسماحة طلّة القائد المحبوب والمحترم محمود أحمدي نجاد.

كان "مام" جلال قد اختار ربما بطلب من الوليِّ الفقيه أو من محمود أحمدي نجاد أن يذهب إلى طهران في الوقت ذاته الذي انعقدت فيه قمة "سِرْت" وكل هذا مع أن المفترض أنه رئيس دولة عربية، وأن من مصلحة هذه الدولة أن تكون في طليعة الدول العربية التي سارعت إلى المشاركة في هذه القمة التي كانت مسألة التدخلات الخارجية في الشؤون العراقية نقطة رئيسية على جدول أعمالها.

وحقيقة، فإن كل من لديه معرفة، وإن متواضعة بما يجري في العراق، لابد أنه قهْقه حتى استلقى على ظهره وهو يقرأ تصريحات "مام" جلال لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، التي ادعى فيها بدون أن يرف له جفن أنه لاحظ شخصياً (في الفترة الأخيرة) أنه ليس هناك تدخلات إيرانية في الشؤون الداخلية العراقية، وكل هذا مع أنه حتى رعاة الأغنام في هذا البلد يعرفون أن نفوذ الجنرال قاسم سليماني في بغداد أهم ألف مرة من نفوذ ساكن قصر الرئاسة في المنطقة الخضراء، وأن اللغة السياسية والتجارية في الجنوب هي للأسف اللغة الفارسية، وأن عملة التداول هي "التومان" الإيرانية لا الدينار العراقي، لا بطبعته السويسرية القديمة ولا بطبعته الجديدة.

في كل الأحوال على "مام" جلال أن يضع في اعتباره، ومنذ الآن، أنه إذا استكمل الإيرانيون مشروع الهيمنة على العراق أو على الجزء الأكبر منه، فإن مذابح "كرمنشاه" التي نفذتها ثورة الخميني ضد الأكراد بمجرد استكمال انتصارها في عام 1979 سوف تتكرر في السليمانية وأربيل ودهوك، وأن مصير هذا الكيان الجميل المتصاعد في كردستان العراقية سوف يكون كمصير جمهورية "مهاباد" التي اغتالها الإيرانيون وهي لاتزال على بداية أول خطوة من عمر الورود... فلماذا هذا يا "مام" جلال؟!