كراهية الأجانب مرض يغزو أوروبا
بسبب نزاع على أرجوحة للأطفال بملاهي مدينة دريسدن الألمانية، سبها وأهانها وأهان حجابها، أرادت كأي أم أن يلعب طفلها على الأرجوحة، فمنعها وتعدى عليها بالسب، فلما قاضته وحكم القضاء في أول مرة لمصلحتها، جن جنونه وأرسل لها خطاب تهديد، يصفها بأنها إسلامية إرهابية، ثم ترصد لها في قاعة المحكمة وأخرج سكيناً من بين ملابسه وانهال عليها طعناً، وواصل طعنها وهي بلا حراك على الأرض ولم يبال بنظرات طفلها ولا كونها حاملاً في شهرها الثالث، وعندما تصدى زوجها للدفاع عنها قام بطعنه.تلك هي الصيدلانية المصرية «مروة الشربيني 31 عاماً» والملقبة بـ«شهيدة الحجاب» امرأة مصرية شابة ذهبت مع زوجها في بعثة إلى ألمانيا وعملت صيدلانية لتساعده، لكن حظها العاثر شاء لها أن يتعرض لها شاب مهووس وعنصري، حاقد على الأجانب وعدو للمسلمين، يحمل الجنسية الألمانية وهو من أصل روسي، منعها هذا المأفون أن تلاعب طفلها على الأرجوحة في مدينة الألعاب بدريسدن وهي مدينة تعج بنشاط اليمين النازي.
وهكذا قتلت هذه الشابة بغير أي ذنب، وذهبت ضحية العنصرية والكراهية، وقد أثارت الجريمة غضباً عارماً في العالم الإسلامي، وملأت صور الشهيدة الصحف المصرية، وأقيمت لها جنازة مهيبة حضرها الآلاف، وأطلق اسمها على أحد شوارع الإسكندرية، وأجمعت الصحف المصرية على تلقيبها بـ«شهيدة الحجاب»، وتحولت إلى رمز، ولم تهدأ المشاعر الغاضبة إلا بعد صدور الحكم بالسجن المؤبد على هذا المجرم الحاقد الذي يحمل كراهية عميقة للأجانب عامة وللمسلمين خاصة، وينادي بإخراجهم من ألمانيا. إنه نموذج يجسد العنصرية ومرض الكراهية للأجانب، والذي غزا أوروبا وانتشر بالتوازي مع موجات الهجرة إلى أوروبا خلال العقدين الأخيرين، وجاءت أحداث سبتمبر في أميركا والعمليات الإرهابية في عدد من العواصم الأوروبية لتعمق مشاعر الكراهية للأجانب، ثم جاءت الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع نسب البطالة بين شباب أوروبا لتزيد نقمتهم على المهاجرين، ولتستغل الجماعات الفاشية والتنظيمات العنصرية الأوروبية التي تضم عددا من الشباب العاطل، تلك الأجواء لنشر طروحاتها العنصرية، وكسب الأنصار تحت ذريعة أن المهاجرين يزاحمون أبناء أوروبا وينقلون إليها تقاليدهم وثقافاتهم المختلفة. وقد نجح اليمين المتطرف، وبعد أن كان هامشياً في المجتمعات الأوروبية، في الوصول إلى المجالس التشريعية، وأصبحوا عناصر مؤثرة، هؤلاء العنصريون يؤمنون بتفوق الجنس الأوروبي الأبيض، وبأنه الأرقى بين الأجناس وقدوتهم في ذلك «هتلر» أبوالعنصرية. وأوضحت دراسة أجريت في «7» بلدان أوروبية أن 70% من الإيطاليين قالوا: إن وجود المهاجرين في إيطاليا غير شرعي، فيما عبر أكثرية المستطلعين في البلدان الأوروبية عن قلقهم من مشكلة الهجرة، وقد استضافت الـ«بي بي سي» أخيراً سياسياً بريطانياً متطرفاً يدعى غريغن، يتزعم حزباً يمينياً متشدداً تقتصر عضويته على البيض الأوروبيين، وسأله شاب مسلم بين الحضور عن سبب كراهيتهم للإسلام؟ ولماذا يصفه بأنه «دين شرير»؟ فقال «لأنه يعامل النساء كمواطنين من الدرجة الثانية، وإن كل امرأة ضحية الاغتصاب يجب أن ترجم، وهو دين يأمر بقتل اليهود وغير المسلمين». وعندما استنكر الحضور تصريحاته العنصرية قال «هناك بعض الأمور الجيدة في الإسلام، لكنه لا يناسب قيمنا القائمة على حرية التعبير والديمقراطية»، لكن أحد الحضور وصفه بأنه شخص «مقرف» وعرض عليه أحدهم تذكرة سفر إلى القطب الجنوبي لأنه «أرض لا لون لها» في إشارة إلى كراهية غريفن للسود. وتعرضت الـ«بي.بي.سي» لانتقادات شديدة لإعطائها منبراً إعلامياً لشخص فاشي، وقامت مظاهرة أمام أستديوهاتها تندد بالفاشية، لكن الـ«بي.بي.سي» دافعت عن قرارها بقولها «لا يمكن تجاهل حزب فاز بمليون صوت في الانتخابات الأوروبية الأخيرة وأوصل عضوين إلى البرلمان الأوروبي أحدهم غريفن». «غريفن» هو نسخة أخرى من المجرم القاتل الألماني، فهو عنصري متعصب نشأ على كراهية السود واليهود لأبوين متعصبين غرسا في نفسيته كراهية كل ما ليس بريطانياً، وهو معجب بهتلر، ومشكك في «الهولوكوست»، وبعد أحداث 11 سبتمبر تحول إلى معاداة الإسلام والمسلمين والأجانب عموماً، ينادي بترحيل المهاجرين الذين قدموا إلى بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية إلى بلدانهم الأصلية حتى تعود بريطانيا كما كانت قبل «50» عاماً، بيضاء نقية، أدين عام 2004 بتهمة التحريض على الكراهية العنصرية، وفي آخر تصريحاته نادى بأن الطريقة الوحيدة لوقف الهجرة إلى بريطانيا هي إغراق القوارب التي تقل مهاجرين عبر البحر، أما المهاجرين الذين لا يمكن إعادتهم إلى بلدانهم فيقترح رميهم من متن طائرة في مكان ما فوق إفريقيا. وهناك في هولندا نسخة ثالثة من العنصرية يجسدها الهولندي المتشدد «خيرت فيلديرز» صاحب الفيلم المسيء للقرآن، والذي يتزعم حزباً متطرفاً يدعى «الحرية» ويحوز «9» مقاعد في البرلمان الهولندي و«4» مقاعد في البرلمان الأوروبي، ينادي هذا المهووس بفرض ضريبة على ارتداء الحجاب، ويرى أن الإسلام «أيديولوجية فاشية»، ويريد إنتاج فيلم آخر معاد للقرآن، ويعتزم زيارة تركيا في يناير المقبل ليقول للأتراك إنه لا مكان لبلادهم في الاتحاد الأوروبي، ومن تصريحاته العنصرية قوله «كلما انتشر الإسلام قلت الحرية». «كراهية الأجانب» و«العنصرية» مرضان ينتشران في أوروبا، ويجدان أرضاً خصبة وأنصارا، والمصطلح الأول يكون في الأغلب على أساس الميلاد بينما يستند المصطلح الثاني إلى الأصل العرقي، إضافة إلى مرض ثالث يقوم على كراهية دين الآخر وهو المعروف بمصطلح «الإسلاموفوبيا» أصيب به قطاع عريض من المجتمعات الأوروبية، وهو لم يقتصر على الأحزاب اليمينية المتطرفة المعادية للإسلام والمسلمين بل أيضاً بعض مثقفي ومفكري أوروبا وبعض السياسيين ورجال الدين، وكما تقول الدكتورة «أسماء بنت قادة» في مقالتها بعنوان «الإسلاموفوبيا عندما تتحول إلى أيديولوجية» ما نصه: «يحاول اليوم بعض الأكاديميين والسياسيين ورجال دين في الغرب تحويل- الإسلاموفوبيا- من مجرد- حالة نفسة- إلى موقف فكري وأيديولوجي دائم تجاه هذا الدين من خلال تثبيت صورة ذهنية تقوم على حقائق علمية تقضي بأن العقل الإسلامي عاجز بنيوياً عن هضم الفلسفات الغربية منذ أرسطو إلى اليوم، وبواسطة نفي وإلغاء الوسيط العربي الإسلامي في تواصل أوروبا في تاريخها، ومن أجل المحافظة على أوروبا مسيحية تماماً، والوقوف دون ذلك المد والانتشار للإسلام في أوروبا». وتشير إلى كتاب صدر في عام 2008 بعنوان «أرسطو في جبل القديس ميشال- الجذور اليونانية لأوروبا المسيحية» للمؤرخ الفرنسي «سلفان» الذي يقول: «إن الإرث اليوناني لم يصل إلى أوروبا عن طريق المسلمين كما روج المؤرخون حتى الآن، بل انتقل بشكل مباشر في القرنين الحادي عشر والثاني عشر دون أن يكون للفلاسفة العرب دور فاصل». لقد أثار الكتاب ردود فعل واسعة ضده، أبرزها «عريضة» نشرها «56» مؤرخاً وفيلسوفاً، وتضمنت كل الأدلة العلمية التي تكذب أطروحة سيلفان، وتؤكد أن شمس الله فعلاً قد سطعت على الغرب، وبغض النظر عن هذا الجدل التاريخي والأكاديمي فإن مرض «الإسلاموفوبيا» وصل إلى المباني، هناك اليوم حزب يميني متشدد في سويسرا يريد تضمين مادة في الدستور السويسري تمنع بناء المآذن ويسمح الدستور بالاستفتاء الشعبي لتعديل بعض مواده، ولكنه يتطلب جمع «100» ألف توقيع لطرح أي مبادرة للاستفتاء، وهو ما استطاع أصحاب المبادرة إنجازه بعد جمعهم «113» ألف توقيع يرفض أصحابها بناء المآذن باعتبارها تمثل تهديداً بأسلمة البلاد، ومن المقرر أن يتم الاستفتاء عليها «نوفمبر 2009» يرى المتطرفون أن المآذن تمثل سيوفا والقباب ترمز إلى خوذات المصلين، والمصلون هم المقاتلون، وأي أرض فيها مئذنة هي أرض فتح إسلامي. لكن ما يطمئننا أن كل منظمات المجتمع المدني وكل المنظمات الدينية والاتحادات الكنيسية البروتستانية والكاثولوكية والكنائس الإنجيلية السويسرية اتفقت على عرقلة أي قرار ضد حظر المآذن، ورفضت إخضاع المآذن لأي قيود حظر، وحذرت من إثارة غضب العالم الإسلامي والإضرار بالمصالح السويسرية. ويبقى أن نقول إن على المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي بذل جهودها في هذا الشأن، وبما لا يؤدي إلى الإضرار بمصالح المسلمين هناك، أو إثارة ردود فعل عنيفة تعمق عداوة هؤلاء للإسلام والمسلمين، كما حصل في حملات مقاطعة البضائع الدنماركية، وإعلان الجهاد الذي ترجمته اعتداءات متفرقة على بعض السفارات، وقريب من ذلك تكرر مع هولندا وفرنسا وألمانيا. *كاتب قطري كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة