يوكوحرام ضحية الفهم الضال للجهاد

نشر في 10-08-2009
آخر تحديث 10-08-2009 | 00:00
 د. عبدالحميد الأنصاري «يوكوحرام» هو الاسم الذي أطلقه الأهالي في شمال نيجيريا على جماعة إسلامية تتبنى طروحات «طالبان» الأفغانية، وتنادي بتطبيق الشريعة بحسب مفهومها المتشدد في كل نيجيريا وفي كل العالم إذا أمكن، بحسب التصريح الذي أدلى به زعيمها الملا محمد يوسف قبل مقتله و600 من أتباعه على يد القوات النيجيرية قبل أسبوعين، على إثر قيام الجماعة بحركة تمرد مسلحة ضد مراكز شرطة وكنائس وسجون واختطاف ضباط وإحراقهم، واسم «يوكوحرام» يعني باللغه السواحلية «التعليم الغربي حرام» وهم يقصدون التعليم في المدارس الحكومية بزعم أنه تعليم غربي مستورد، ويحرمون أيضاً كل مظاهر التحديث من فن وتمثيل وغناء وتصوير واختلاط تماماً مثل طالبان، يحدوهم حلم طوباوي بإقامة دولة إسلامية نقية في نيجيريا على نمط دولة طالبان السابقة في أفغانستان.

وكما ولدت طالبان أفغانستان من رحم المدارس الدينية وكونت جماعة مسلحة وخرجت باسم الجهاد، وفي سبيل تطبيق الشريعة، كذلك ولدت جماعة يوكوحرام من مجموعة من طلاب المدارس الدينية لا يزيد عددهم على 200 وكونوا جماعة مسلحة بقيادة مدرسهم الواعظ محمد يوسف، وأقاموا معسكراً للتدريب وبدؤوا بشن هجمات ضد الكنائس ومراكز الشرطة والحفلات المختلطة بحجة القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتخليص المجتمع من مظاهر الفسق والفجور.

نيجيريا هي أكبر دولة إفريقية من حيث عدد السكان البالغ عددهم 140 مليون نسمة ويشكل المسلمون 68% في الشمال بينما يشكل المسيحيون 22% ويقطنون في الجنوب، ورغم أن أحكام الشريعة الإسلامية مطبقة في 12 ولاية في شمال نيجيريا من 10 سنوات فإن نيجيريا تعج بالعديد من الجماعات الدينية المختلفة في توجهاتها السياسية والمتناقضة في مفاهيمها الدينية، ومع أن معظم هذه الجماعات لا تتعاطى العنف ولا تؤيد الأعمال الارهابية إلا أن جماعة يوكوحرام هي الأكثر تشدداً والأكثر تبنياً للعنف والأعظم سعياً لفرض مفهومها الديني على عموم نيجيريا بما فيها الجنوب، حيث تقطن الأقلية المسيحية، وكانت هذه الأقليه قد اعترضت على تطبيق الشريعة مما أدى إلى اشتباكات طائفية قتل خلالها أكثر من 2000 شخص في 2003، حيث أحرق مناهضون للشريعة عدداً من المساجد.

التساؤلات المطروحة الآن: ما أسباب صعود حركة يوكوحرام؟ ولماذا قامت بتمردها في هذه الفترة بالذات؟ يذكر المراقبون عدداً من العوامل السياسية والدينية من أبرزها:

1- الدافع الديني: يعلل الكثير من المحللين تحرك يوكوحرام في هذه الفتره بوجود روابط تنسيقية بين الحركة والجماعات المتشددة الأخرى التي تخوض معارك ضد حكوماتها في العديد من بؤر التوتر في الجنوب الإفريقي والشرق الإفريقي، في الصومال ومالي والنيجر وجنوب الجزائر والسودان واليمن، إضافة إلى ما تتعرض له طالبان في أفغانستان وباكستان من هجوم عسكري من قبل قوات التحالف الدولي وباكستان، في كل هذه البؤر هناك حركة مد أصولي تريد أن تكتسح الساحة وتصل إلى السلطة لتطبق ما تراه النموذج المثالي للدولة الإسلامية.

2- الفساد الإداري والسياسي: بالرغم من أن نيجريا من أكبر مصدري النفط في العالم فإنها تعد من الدول التي تعاني أسوأ معدلات الفقر والبطالة وسوء التنمية، بسبب شيوع الفساد الإداري والسياسي في جسد الدولة وأجهزتها، هناك المليارات من الدولارات الضائعة في جرائم تهريب وسرقة واختلاسات حتى أصبحت نيجيريا ترزح تحت ديون تصل إلى 43 مليار دولار.

3- الدكتاتورية العسكرية: تعاني نيجريا، منذ استقلالها عن بريطانيا 1960 حكما عسكريا دكتاتوريا ثقيلا، فضلاً عن صراع النخبة العسكرية على السلطة واستغلالها الجيش للبطش بخصومها والتعدي على الحقوق والحريات.

4- قسوة الطبيعة: الطبيعة قاسية جداً على نيجيريا فالفيضانات مسحت ذات مرة 25 قرية من فوق وجه الأرض وتركت نحو 300 ألف إنسان بلا مأوى، الأمر الذي أنعش الأفكار والاعتقادات بأن السماء غاضبة بسبب الفساد المالي والأخلاقي ومناهج التعليم، وهذا التفكير ليس حكراً على متطرفي نيجريا بل يسود أيضاً بين المسيحيين كما يقول الكاتب عادل الجوجري في مقالة قيمة عن «مخاطر التقسيم على نيجيريا بسبب نشاط المكفراتية الأفارقة».

هذه أبرز العوامل التي يسوقها المعللون لتفسير تمرد حركة طالبان نيجيريا، وفي تصوري أن هذه العوامل غير كافية، وذلك لسبب بديهي وبسيط، فالإنسان- أي إنسان- لا يضحي بنفسه ويعرض حياته للهلاك إلا تحت وطأة عقيدة غلابة تزين له الموت «شهادة» وجسر عبور إلى الجنة وحورها، وتغرس في نفسه قناعة بأن خروجه المسلح على السلطة الشرعية هو «جهاد في سبيل الله» لذلك أتصور أن العامل الحقيقي والمحرك لكل الجماعات المتشددة والخارجة على دولها هو عقيدة «الجهاد» المهيمنة على عقول ونفوس هذه الجماعات، انظر على امتداد البصر وعبر الساحة الإسلامية وفي كل بؤر النزاع والتوتر، تجد تلك الجماعات الناشطة تستميت في القتال ضد جيوش أكبر منها وأفضل تسلحاً، ومع ذلك لا تهمها الخسائر الفادحة في الأرواح بل تقوم بعمليات انتحارية، وهي تعلم يقيناً أنها لا تستطيع هزيمة تلك الجيوش لكنها تعتقد أنها تقوم بواجب الجهاد.

لقد شهدت باكستان خلال السنتين الأخيرتين أكثر من 100 عملية انتحارية، وفي الذكرى السنوية الأولى يوليو 2008 لمأساة المسجد الأحمر، احتشد ألفان من النساء الباكستانيات وهن يرددن شعار «الجهاد هو طريقنا» والمدهش أن الأمهات اصطحبن أطفالهن معهن وقد عصبن جباههم بعصابات كتبت عليها شهادة أن «لا إله إلا الله»، وتعهدت الأمهات بتنشئة أطفالهن على الجهاد للانتقام من الحكومة التي قتلت أولادهن في تمرد المسجد الأحمر يوليو 2007.

فإذا انتقلنا إلى المشهد الأفغاني لم نجد اختلافاً كبيراً في مستوى وعدد العمليات الانتحارية، وهكذا أيضاً في المشهد العراقي، حيث قتلت تلك الجماعات التي تدعي زوراً «المقاومة» الآلاف من الأبرياء، أما في المشهد اليمني فمازالت الدماء الساخنة تسيل بين حركة الحوثيين وقوات الدولة، وباسم الجهاد أسالت «الفئة الضالة» دماء المئات من الأبرياء في السعودية، وهكذا فعل الجهاديون في مصر والجزائر، وها هم اليوم يسيلون دماء إخوانهم الإسلاميين في الصومال، فالذي يحكم ويتحكم بعقول وسلوكيات هذه الجماعات وعلى امتداد الساحة الإسلامية وخارجها هو شيء واحد لا غير «الفهم الضال» للجهاد.

وهذا الفهم المضلل إنما تأسس وتكرس عبر منبرين: 1- المنبر التعليمي، حيث آلاف المدارس الدينية التي تخرج آلافا من الشباب يعتنقون هذا الفهم المغلوط للجهاد.

2. المنبر الديني الذي يروج ويبرر عمل تلك الجماعات باعتباره صحوة دينية يراد بها الثأر لكرامة الأمة ورد فعل ضد مظالم الغرب للمسلمين، وما لم نعيد النظر في خطابنا الديني ومناهجنا التعليمية لتفكيك تلك المفاهيم المضللة عن الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والولاء والبراء وتطبيق الشريعة والدولة الإسلامية فإن المأساة ستستمر ودماء الأبرياء ستراق رخيصة.

«يوكوحرام» ليست أولى ضحايا الفهم الخاطئ لمفهوم الجهاد وتطبيق الشريعة، على مر التاريخ الإسلامي ومنذ تمرد الخوارج القدامى على ما نعده أفضل نموذج للحكم الإسلامي في التاريخ حتى ظهور الخوارج الجدد بمفاهيمهم المنحرفة لقيم ومفاهيم الدين، سقط ضحايا كثيرون: أفراداً وجماعات، هؤلاء جميعاً ظنوا أنهم أحسنوا صنعاً وهم قد ضلوا وأضلوا، على منابرنا الدينية ومناهجنا التعليمية أن تعلن قطيعة معرفية مع المفهوم العدواني للجهاد، يجب أن ندرس طلابنا أن جهادهم الحقيقي هو في تملك سلاح العلم والتقنية والمعرفة لخدمة دينهم وأوطانهم، وأن الجهاد بالمعنى القتالي هو شأن من شؤون الدولة، وأن الجيش النظامي هو المحتكر الوحيد للجهاد بالمعنى الحربي دفاعاً عن الدين والوطن، ولا يجوز للأفراد ولا للجماعات الدينية أو السياسية أن تمارس الجهاد بالمعنى القتالي لأن في ذلك إفسادا وفسادا عظيمين، والله لا يحب الفساد.

* كاتب قطري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top