الانحناء المستحيل والحل المتاح
«بعد سبعين عاما من العيش تحت راية الإسلام لن أقبل أن أظلل بقية عمري بعلم بريطانيا، ردوا العلم من حيث جاء»... هذا الكلام الذي نستذكره اليوم هو للعلامة الكبير الشيخ فضل الله نوري، وهو أحد قادة الثورة الدستورية الإيرانية في بدايات القرن المنصرم، والذي جاء ردا على محاولات بريطانية متذاكية لتقديم حماية سياسية لبعض قادة الثورة ضد الاستبداد الملكي لكسب بعض الوجاهة الشعبية ولجر البساط من تحت أرجل الروس الذين كانوا يتنازعون معهم النفوذ على الساحة الإيرانية في تلك الفترة. وهذا الكلام قد يكون هو التلخيص المكثف لأحوال التحول بين طهران وعواصم الدول الكبرى بما فيها موسكو حول الملف النووي، فيقول أحمدي نجاد بهذا الخصوص «لقد عرضنا عليهم شراء يورانيوم مخصب بنسبة عشرين في المئة كمبادرة حسن نية- حتى لا يتهمونا بأننا مصرون على التخصيب العالي لأهداف غير مدنية- لكنهم بدؤوا بوضع الشروط، وعليه فإننا سنخصب بأنفسنا، وهذا ما تكفله لنا بنود اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، ولا يلومنّ أحد من الآن فصاعداً إلا نفسه، لاسيما أولئك الذين ضيعوا فرصة ذهبية نادرة»! والذين ضيعوا مثل هذه الفرصة قد يقصد بهم الأميركان هنا، وقد يكونون هم الروس أيضا.
إنها معركة توازي، إن لم تكن أهم من، معركتي تأميم النفط في عهد الراحل محمد مصدق وتأميم قناة السويس في عهد الراحل جمال عبدالناصر... هذا ما تراه القيادة الإيرانية العليا وتحديداً مرشد الثورة الإمام آية الله علي خامنئي والرئيس أحمدي نجاد في معركة التحدي النووي.أما المنتصرون في الحرب العالمية الثانية الذين يختطفون القرار الدولي اليوم تحت مسمى المجتمع الدولي والقرارات الدولية وما شابه من تعبيرات، إنما يريدون أن يتحكموا بمقدرات العالم في إطار قاعدة السيد والعبد أو الذئب والحمل، ومن يتحكم بمجمل هذه المعادلة اليوم إنما هو بقايا الإمبراطورية الأميركية الجريحة والمترنحة تحت ضربات الشعوب والأمم المغلوبة، مدعومة بعربدة صنيعتها «الشرق أوسطية» أي إسرائيل، وما الدول الأخرى المندرجة في إطار ما يسمى بالمجتمع الدولي إلا ملحقات تتنافس مع الدولة الأولى للحصول على بعض الامتيازات هنا وهناك.وعليه فإن كل الصراخ والتهديد والوعيد والحرب النفسية التي تشنها أميركا ضد إيران إنما المقصود منها إرعاب وإخافة وتهديد دول التنافس معها من أوروبيين وروس وصينيين أكثر مما هي من الإيرانيين، الذين ثبت لواشنطن على الأقل أنهم آخر من يهابهم أو يتخوف أو يقلق مما يسمونه بعقوباتهم الاقتصادية، فضلا عن قدرة واشنطن عن ردعهم سواء عن الاستمرار في التخصيب أو رفعه إلى مستوى العشرين في المئة، ناهيك عن بناء المزيد من مفاعلات التخصيب وفي بطون الجبال.فلماذ إذن كل هذا التصعيد؟ ولماذا توالي مواعيد الفرصة الأخيرة التي بين الفينة والفينة يعرضونها؟! ومن ثم ماذا جنت روسيا من تصويتها إلى جانب الذئب الأميركي في مجلس حكام الوكالة الدولية غير المزيد من انعدام الثقة والمزيد من ضياع فرص التعاون الاقتصادي مع طهران وربما لحساب دول غربية منافسة؟!إنها نتيجة الصراعات بين دول المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، والتي تصور أفول نجمها الواحد بعد الآخر. أما طهران فقد أثبتت أنها لن تفاوض أبدا على استقلال قرارها فضلا عن مفاوضة أحد على حقوقها الشرعية الثابتة في توطين التكنولوجيا النووية وصناعة الوقود النووي كاملا وغير منقوص. ومثل ما استفاق العالم مذهولاً أيام بوش الابن ليسمع بعبور إيران خط تكنولوجيا التخصيب مسجلا خيبة أمل مخابرات الدولة العظمى، وفي سنة أوباما الأولى عبورها لصناعة المفاعل المحصن ببطون الجبال سيستفيق يوما ليسمع بأنها خصبت بنسبة عشرين في المئة، وبنت خمسة مفاعلات جدد تم تعيين أماكنها منذ الآن لتكون محصنة مثل مفاعل بلدة الشهداء «فردو» القريبة من قم المقدسة.فهل من ينصح واشنطن بإعادة النظر في مواعيدها المقدسة، وينصح موسكو بأن ترد العلم من حيث جاء؟ ذلك أن طهران اختارت علمها ولن تستظل بعلم غيرها بعد ثلاثين عاما من الاستظلال بعلم الثورة والاستقلال والحرية والتحرر من نير التبعية.إنها معركة الكفاح من أجل انتزاع الاعتراف رغما عن أنف أعلام الكبار... ومن يقود المعركة المباشرة رجل من جنس الناس، ممن اعتادوا ألا ينحنوا لغير الله، وعليه فإن الأفضل لمن يبحث عن حل واقعي مع طهران وحلفائها من غزة ولبنان هو أن ينحني لإرادة الشعوب الصاعدة قبل فوات الأوان، وإلا فعليه مواجهة الطوفان.* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة