في المؤتمر النووي الأخير في طهران، تم التشديد على التصريح الرسمي الآتي: "سيحصل الجميع على الطاقة النووية، لكن لن يحصل أحد على الأسلحة النووية".

Ad

لكن لم تكن تلك الرسالة الحقيقية التي أرادت الحكومة الإيرانية توجيهها، فلو أنها كانت أكثر صدقاً وانفتاحاً بشأن أهداف المؤتمر الحقيقية، لكانت اختارت الرسالة الآتية: "لقد سحقنا المعارضة، وبرنامجنا النووي يتطور بزخم كبير بغض النظر عن رأي الغرب".

يشير واقع أن إيران عقدت مؤتمرها الخاص فور انتهاء القمة النووية في واشنطن، الأسبوع الماضي، إلى أن القائد الأعلى الإيراني، آية الله خامنئي، لايزال يعتبر المجتمع الدولي ضعيفاً ومنقسماً في ما يتعلق بالإجماع الدولي بشأن البرنامج النووي الإيراني. تأكد هذا الأمر في التصريحات المتكررة التي بثتها وسائل الإعلام الإيرانية ومفادها أن 60 بلداً شارك في مؤتمر إيران النووي، في حين اقتصر عدد البلدان الحاضرة في القمة التي عُقدت برعاية الولايات المتحدة على 47 دولة.

في الواقع، خامنئي محقّ إلى درجة معينة؛ صحيح أن الصين وروسيا تبدوان على وشك دعم عقوبات إضافية على إيران، لكننا لسنا واثقين بعد من قوة ذلك الدعم، ولا نعلم حجم تصميمهما على معاقبة إيران في جولة العقوبات الجديدة. يثير هذا الأمر قلق قادة الغرب، ولاسيما اسرائيل التي تريد فرض عقوبات قاسية في أسرع وقت ممكن، لكن ذلك لن يتحقق قريباً. صحيح أن النقاش محتدم راهناً حول فرض جولة جديدة من العقوبات، لكنها لن تكون على الأرجح قاسية بما يكفي لوقف مسار البرنامج النووي الإيراني.

هل أصبحت إيران النووية نتيجة حتمية إذن؟

طبعاً لا.

على الرغم من جميع الادعاءات النارية المتعلقة بـ"الخطوات العملاقة" التي تقوم بها إيران لتطوير برنامجها النووي، تواجه طهران مشاكل خطيرة تعيق أهدافها التي تقضي بصنع قنبلة نووية.

أولاً، توجد مسألة قدرات إيران على إنتاج أجهزة الطرد المركزي.

وفقاً لدراسة حديثة أجراها معهد العلوم والأمن الدولي، بين شهري مايو ونوفمبر 2009، تراجع عدد أجهزة الطرد المركزي التي تخصّب اليورانيوم في مفاعل "ناتانز" الإيراني من 5000 إلى 3900 جهاز، ويعود ذلك إلى التصميم القديم لأجهزة الطرد المركزي المستخدمة راهناً، بالإضافة إلى العقوبات التي تعيق قدرة إيران على استيراد القطع الضرورية، مثل قطع مغناطيسية خاصة لإنتاج أجهزة الطرد المركزي.

فضلاً عن ذلك، تبقى الشكوك المتعلقة بنوعية "الجيل الثالث من أجهزة الطرد المركزي" في إيران قائمة. وفقاً لعلي أكبر صالحي، رئيس منظمة الطاقة الذرية في إيران، ستكون أجهزة الطرد المركزي الجديدة "مزوّدة بقوة فصل غاز تصل درجتها إلى عشرة تقريباً، ما يفوق قوة الجيل الأول من الأجهزة بستة أضعاف".

لكن اعترف صالحي نفسه بأن أجهزة الطرد المركزي الجديدة لم تخضع للاختبار بعد مع سادس فلوريد اليورانيوم، أي الغاز الذي يدور داخل أجهزة الطرد المركزي لإنتاج اليورانيوم المخصّب. وفقاً للخبيرَين النوويين دايفيد أولبرايت وجاكلين شاير، يُعتبَر هذا الاختبار "خطوة جوهرية لضمان صيانة الآلة وحُسن أدائها في تخصيب اليورانيوم". بما أن الاختبار عملية دقيقة تتطلب في العادة تغييرات جديدة في التصميم وفي مراحل التصنيع، فقد يستلزم الأمر أشهراً طويلة، وربما سنة كاملة، قبل إنهاء العملية كلها، ولذا من المبكر جداً أن تعلن الحكومة الإيرانية تنفيذ خطوات كبرى لتشغيل أجهزة الطرد المركزي الجديدة مع أنها لم تخضع للاختبار بعد.

حين تنتهي هذه المرحلة، ستبقى مشكلة الإنتاج بكميات كبيرة قائمة، إذ إن أجهزة الطرد هذه ليست مفيدة جداً إذا أُنتجت بكميات محدودة، وقد صرّح الخبير النووي الإيراني، الدكتور ريزا تاغيزادي، في مقابلة حديثة له مع تلفزيون "بي.ي.سي." الفارسي: "أنتجت إيران أيضاً مجموعة جديدة من الطائرات المقاتلة، لكن جميعها كان مجرد نماذج اختبار أُنتجت بوحدات فردية. لم تتمكن إيران من إنتاجها بكميات هائلة بسبب العقوبات. وعلى الأرجح سيحصل الأمر نفسه مع تلك الأجهزة الجديدة التي تتميز بتصميم متطور وتتطلب عدداً من القطع التي يجب استيرادها".

علاوة عقوبات الأمم المتحدة، أدت وكالات الاستخبارات الغربية دوراً جوهرياً في منع إيران من الحصول على قطع تقنية أساسية لاستكمال برنامجها النووي، وهي ستستمرّ في ذلك للوقوف في وجه قدرات إيران على الحصول على القطع المطلوبة والخبرة اللازمة لتحويل اليورانيوم المخصب إلى قنبلة.

في الواقع، يتساءل بعض الإيرانيين عما إذا كانت وكالات الاستخبارات الأجنبية قد تسللت إلى صفوف القيادة الإيرانية.

بناءً على بعض القرارات المحلية الأخيرة، لابد من التساؤل جدياً عما إذا كان بعض القادة الإيرانيين يقبضون المال من عملاء أجانب لإحداث أكبر قدر ممكن من الضرر في الجمهورية الإسلامية. تأكد هذا الأمر من خلال القرار الأخير الذي اتخذته الحكومة الإيرانية بتقليص برامج الدعم والإعانات العامة بقيمة 20 مليار دولار على الأقل.

سيؤدي هذا البرنامج الجديد في حال تطبيقه إلى ارتفاع يومي حاد في أسعار المواد الأساسية، مثل الطعام والطاقة، بالنسبة إلى إمكانات المستهلك الإيراني. كذلك، ستؤدي هذه التدابير إلى زيادة حدة المأساة بالنسبة إلى المستهلك الإيراني والتسبب في أضرار إضافية على مستوى الاقتصاد الإيراني، أكثر مما يمكن أن تفعله عقوبات الأمم المتحدة في المستقبل القريب والمتوسط. من إيجابيات هذه التدابير بالنسبة إلى الغرب أن الشعب الإيراني سيلوم قيادته على الأضرار الحاصلة.

بالإضافة إلى ذلك، سيؤدي برنامج تقليص الدعم والإعانات الذي يعمل أحمدي نجاد على إقراره إلى نشوء صراع إضافي داخل النظام، إذ سيقود التغيير على الأرجح إلى تقليص الطلب على المنتجات التي توفرها الشركات التابعة لجيش "الحرس الثوري" للجمهورية الإسلامية ولاسيما أن عددا كبيراً من تلك الشركات  يحرص على حماية مصالحه الخاصة، إذا اصطدم الأمر بمصالح العمل.

يؤدي تشابك المشاكل التي تواجه البرنامج النووي الإيراني وتدهور الوضع الاقتصادي في البلاد إلى إضعاف قوة إيران في تعاملها مع الغرب. باختصار، ليست إيران النووية نتيجة حتمية بأي شكل.

* مير جافدانفار | Meir Javedanfar ، متخصص في شؤون الشرق الأوسط وأحد مؤلفي كتاب "The Nuclear Sphinx of Tehran: Mahmoud Ahmadinejad and The State of Iran"