عشاء نيويورك يحبط ساعة الصفر


نشر في 17-05-2010
آخر تحديث 17-05-2010 | 00:00
 محمد صادق الحسيني اجتماع المرشد الأعلى للثورة في إيران مع الرئيس البرازيلي ودعوته إياه لتشكيل مجموعة الدول المستقلة على مستوى العالم للحد من الهيمنة الأميركية الأحادية، وتصريح الرئيس البرازيلي بأن العالم يتغير بسرعة وعلى الأمم المتحدة اللحاق بركب هذه المتغيرات، وبأن قوى جديدة فاعلة أخذت موقعها على الخارطة الجغرافية السياسية المتغيرة بينها إيران، يجعل من المراقبين للحدث الإيراني التنبؤ بحصول انفراج كبير يجبر الأميركيين على التخلي عن الخيار الإسرائيلي للحرب نهائياً والإذعان لشروط طاولة الحوار! بعد جنيف وفيينا، كانت نيويورك هي نقطة انطلاق المرحلة الجديدة لدبلوماسية حياكة السجاد الإيرانية هذه المرة، حيث العشاء الدبلوماسي الرفيع الذي أقامه رئيس الدبلوماسية الإيرانية منوشهر متكي للأعضاء المؤقتين والدائمين لمجلس الأمن الدولي على هامش مؤتمر منع الانتشار النووي، والذي حضره من الجانب الأميركي مساعد سوزان رايس مندوبة الإدارة الأميركية في المجلس المذكور، والذي يقال إن متكي عقد معه على هامش ذلك العشاء محادثات هي الأهم منذ مدة بين طهران وواشنطن، وهو الرجل الذي يقال إنه رجل المهمات الصعبة في الخارجية الأميركية!

وأول الغيث الذي انهمر من وراء هذا الاجتماع كان في واشنطن، حيث تسلمت أمهات المعتقلين الأميركيين الثلاثة المتهمين بدخول الأراضي الإيرانية خلسة لأهداف تجسسية، تأشيرات دخول لإيران، وهو ما قد يشير إلى انفراج ما يبحث عنه الجانبان لإبعاد العالم والمنطقة العربية والإسلامية عن جنون طبول الحرب الإسرائيلية على خلفية النووي الإيراني أو سواه!

نقطة الغيث الثانية كانت تفعيل الوساطتين التركية والبرازيلية على طريق صفقة تبادل اليورانيوم المخصب بنسبة منخفضة لطهران بيورانيوم مخصب بنسبة عالية من الدول الكبرى المحتكرة لهذا النوع منه، من أجل إحباط خطوة العقوبات الجديدة التي تهدد بها واشنطن ضد العاصمة الإيرانية!

وهكذا طار متكي من نيوورك إلى أنقرة، ومن بعده طار وزير خارجية البرازيل إلى طهران، ودارت دورة المباحثات المكثفة على أكثر من صعيد والتي يفترض أن تفضي في أحد سياقاتها إلى استئناف مفاوضات جنيف بين طهران والدول «خمسة+ واحد» ولكن هذه المرة في أنقرة!

المتتبعون لهذا الحراك الإيراني والإقليمي والدولي حول مستقبل الملف النووي الإيراني، يعتقدون أن ثمة ضوءاً في آخر النفق المظلم الذي لطالما حاولت واشنطن تصويره بخصوص هذا الملف ما قد يدفع إلى تبلور فضاءات من الانفراج، ويفضي تالياً إلى إنجاز الصفقة، وهو ما سيبطل ويفند- إذا ما حصل- كل التهويل والتزمير الذي كان يُروَّج للحرب ولساعة الصفر! وأولى بشائر هذا الحراك هو التصريح المهم الذي تردد على أنغام هذه الجهود من قبل الرئيس الروسي حيث قال إن مجموعة دول «خمسة + واحد» باتت مقتنعة جميعاً بالحل التفاوضي مع طهران!

نعم قد تكون ثمة جزئيات وتفاصيل كثيرة لابد من متابعتها بعناية من قبل الوسطاء، وقد تتعرض هذه الجهود لبعض الانتكاسات هنا أو هناك، أو تتعثر على أبواب هذه العاصمة أو تلك، لاسيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المنافسة التركية البرازيلية على دور الوسيط الأول الأمر الذي جعل الطيب أردوغان يبعث وزير خارجيته إلى طهران بدلاً منه، لكن المهم هو إنجاز عملية الإطلاق لإطار التفاهم!

وإطار التفاهم الذي يفترض أنه في طريقه إلى الإنجاز هو أن تقبل طهران بمبدأ التبادل، فيما تقبل الدول الكبرى بمبدأ التزامن وتقديم الضمانات العينية!

أما موضوع مكان التبادل، الذي كانت طهران تعلن أنها تريده أن يكون على أراضيها، فإنه مع دخول الصديقين التركي والبرازيلي مترافقاً مع الضمانات العينية، فإنه يصبح ثانوياً بعض الشيء، اللهم إلا إذا ما أبدت الدول الكبرى تلكؤها المعهود!

وزير خارجية البرازيل كان واضحاً بهذا الصدد، وذلك عندما أكد أن صيغة الغرب لصفقة التبادل المطلوبة لتجسير الثقة، صيغة غير مشجعة وغير مقبولة!

وهنا لابد من الإشارة أيضاً إلى أن المفاوض الإيراني هو الآخر بات اليوم في وضع لم يعد فيه مضطراً كثيراً إلى إنجاز صفقة التبادل بأي ثمن كما كان من قبل، وذلك بعد أن زاد من احتياطيه الاستراتيجي من اليورانيوم المخصب من جهة، كما أن دورة التخصيب نفسها قد تم رفعها إلى ما يوازي النوعية التي تنوي الدول الكبرى تقديمها له، وهو ما من شأنه أن يجعل إيران تعزز موقفها أكثر فأكثر ويجعلها تمتلك اليد العليا في عملية التفاوض الحالية!

الأيام المقبلة ستكشف المزيد مما يثبت ألّا خيار مع طهران ينجح إلا خيار الحوار والتفاوض والتعامل المتكافئ وكل خيار آخر لن تكون حصيلته إلا الصفر، خصوصاً إذا كان خيار الساعة صفرا، والذي أثبتت طهران حتى الآن قدرتها على إحباطه كلما روَّجت واشنطن وتل أبيب بأنه بات قريباً!

* الأمين العالم لمنتدى الحوار العربي- الإيراني 

back to top