ارض الملوك
سعدت بمشاهدة الأفلام الإماراتية القصيرة التي شاركت في احتفالية مهرجان القرين السادس عشر لهذا العام، أفلام مبشرة وواعدة، تجربة جميلة لسينما إماراتية تبدأ بفتح بوابتها للإطلال على العالم ومشاركته في هذا الفن المبهر، ألا وهو فن عالم السينما.
وهذه الأفلام شاركت في مهرجانات سينمائية عالمية، وبعضها فاز بجوائز فيها، وهي ما توصلت إلى هذه النتيجة السريعة وفي زمن قصير نسبيا، لو لم يكن هناك انفتاح عالمي على كل الثقافات وعلى كل الفنون في دولة الإمارات الصاعدة سلالم المجد والطموح. وبصراحة كنت أتمنى من كل قلبي أن يكون لدينا ذات الحلم الذي يتخطى التحديات كلها ليعبر بنا وبأحلامنا إلى المراد وإلى التحقق.ويا ليت أن نبدأ بمهرجان للسينما، يحتفي بأفلامنا الخليجية حتى ولو كان مهرجانا يختص بالأفلام الوثائقية والأفلام القصيرة، حتى نتجنب الخوف من المنع والرفض للأفلام الطويلة التي ربما تحتوي على مشاهد قد تكون فاضحة أو غير مقبولة من قبل تيارات معينة.أقول هذا الكلام من بعد مشاهدتي بالمصادفة فيلم «أرض الملوك» الذي تم عرضه في تلفزيون الكويت الأسبوع الماضي، وهو من كتابة «عبد الله حمد المخيال» ومن إخراجه أيضا.الفيلم بصراحة يفرح القلب، فيلم في منتهى الإتقان والجودة يأتي من عندنا، فيلم كويتي، وبمخرج وإدارة كويتية أنتجت فيلما لا يقل في جودته عن الأفلام الوثائقية التي تقوم بإنتاجها محطة BBC الانكليزية. فريق العمل يتنقل في إقليم «راجستان» الهندي الواسع في رحلة طويلة، بحثا عن قبيلة رعوية هي آخر نسل لهؤلاء الرعاة الأصليين، الذين لم يغيروا نظام وأسلوب حياتهم، حتى من بعد انتشار الغزو الحضاري الذي غير العالم كله، ولم يقدر على تغيير قبائل «الريباري» وحدهم بقوا على ترحالهم وأسلوب حياتهم القديم، هذا الترحال الذي لا نهاية له، يبدأ مع فجر كل يوم، تحزم فيه النساء المتاع القليل بطرق في غاية الغرابة، لكنها في قمة الدربة والاحتراف.ويبدأ المسير الذي لا يتوقف إلا عند اكتشاف أمكنة جديدة للكلأ والمياه، حينها تتوقف للرعي وللمبيت حتى تشرق شمس اليوم الجديد، ليبدأ مع شروقها شقاء الترحال من جديد، ترحال يومي يمارس بصبر كأنه اليوم الأول والأخير.كاميرا المخيال تتبعتهم في رحلة بحث شاقة وطويلة، تجولت في إقليم راجستان بين القبائل المختلفة الطباع، وعادات وتقاليد لأنماط حياة غريبة، ولطقوس عبادة مختلفة، وحيوانات مقدسة تمارس حياتها بحرية وأمان في وسط متناغم العيش فيه ما بين الإنسان والطبيعة والحيوان، تناسق وتقاسم لكل معطيات الحياة من سماء وأرض وماء وهواء.عبدالله المخيال تجول بكاميرته بذكاء وبحساسية رهيفة وبإنسانية مترفة، لاصطياد حركة الحياة في صدقها وعفويتها، من دون أدنى تكلف، هكذا ببساطة تدور الحياة وتدور معها الكاميرا، لدرجة تجعل من المشاهد مشاركا في سيران هذه الحياة وكأنه يرحل فيها مع طاقم التصوير السائر في طرق بلاد تغط في زمنها الخاص بها.ترحالنا معهم نقلنا إلى عصر محصور في عزلته، وبراءته، وبدائيته، وسكينته وعفويته في التعامل من دون مكياج الكذب ومن غير تحذلق الرياء.عبدالله المخيال... يحق لنا أن نفتخر به ونسعد بأعماله السينمائية، لذا نتمنى أن يكون لدينا مهرجانات سينمائية تحتفي بكل هذه الإبداعات التي تنبتها أرض الكويت.