يتناوب على خطبة الجمعة في مسجد السلام في أوتاوا ثلاثة خطباء ويمتاز أحد هؤلاء الثلاثة بصوت عقلاني جميل ويتحدث لغة انكليزية جيدة جدا تؤهله للتعبير السليم عن جماليات الدين. يهتم الرجل بالحديث عن هوية الشاب المسلم في بلد الغربة وفي كل مرة أرى المسجد يزدحم بالشباب المسلم من مختلف الجنسيات. كان يبتعد عن التحريم ويحرص على حث الشباب ليكونوا نماذج طيبة يعجب بها الشاب الغربي وغير المسلم. ولأن الحديث الديني المعاصر حمال أوجه كان يختار المقال المناسب للمقام فيبتعد كثيرا عن التحريم والاجازة. ولكنه فجأة انقلب على مستمعيه وقدم لهم وجبة من المحرمات تجعل الحياة في كندا مستحيلة لأي أسرة مسلمة. المنازل وعقودها الربوية حرام، المدارس الكندية حرام، المطاعم التي تقدم الخمور، وان لم تشرب الخمر فيها، حرام، الشواطئ والمتنزهات حرام، التلفزيون في البيت حرام. وبدأ الجميع يتململ ويهمهم والعيون تنظر الى بعضها. لم نعرف كيف يعيش الرجل بيننا وكل ما يحيط به حرام عليه. بعد الخطبة توجه مجموعة من الأخوة العرب الى ادارة المسجد لفهم أسباب هذه الخطبة المنفرة وأنها تصدر من رجل كان متزنا في خطابه السابق. الاجابة التي تلقوها كانت كافية بأن ينسحبوا بهدوء من الحوار. هذه هي الخطبة الأخيرة للرجل الذي قرر أن يغادر الى بلد عربي غير بلده العربي الأم. هكذا فجأة يتغير صوت العقل بمجرد تغير الظرف لصاحب الصوت.
في أيامي الأولى في كندا التقيت مجموعة من الأخوة الشيعة في أحد المجالس وكانوا يناقشون حادثة كسر ضلع السيدة فاطمة الزهراء وحرق منزلها واسقاط جنينها. وكنت أعرف أن الحديث موجه لي لأنني أنتمي الى مذهب مختلف. لم أتحدث حتى صمتوا وكأنهم يريدون ردي. كانت الاجابة سهلة ولا تحتاج الى عبقرية. سألتهم ان كان يعرفون صاحب بيت السيدة فاطمة. فقالوا نعم هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجه. علي ابن أبي طالب هو الرجل الذي انبرى في غزوة الخندق ليواجه أعتى فرسان عصره عمرو بن ود العامري الذي وقف يصيح بالمسلمين "لقد بح صوتي أليس بينكم رجل يواجهني؟" فينهض علي ويجلسه الرسول علية الصلاة والسلام قائلا "انه عمرو" فيقول وأنا علي. وفي الثالثة أذن له عليه السلام وهو يقول "لقد خرج الايمان كله الى الكفر كله" فيقتل علي صنديدا من صناديد العرب. علي بن أبي طالب الذي رفع راية المسلمين يوم خيبر ويقتل "مرحب" أحد صناديد اليهود ويقتلع باب خيبر. هل تعرفون رجلا بهذه الشجاعة كلها يطرق بابه فيطلب من امرأته أن تفتح الباب وهو منزو خائف. قالوا إن تلك اطروحة السيد فضل الله ونحن لا نأخذ بها. لم أكن يومها أعرف أطروحات السيد فضل الله ولم أكن قرأت له شيئا.الجالية في أتاوا، سنة وشيعة، تصوم رمضان بمواقيت مختلفة وتفطر العيد بأوقات مختلفة. تعتمد أغلب الجاليات على مواقيت بلدانها الأصلية وتختلف هذه المواقيت بين أصحاب المذهب الواحد كما تختلف بين أصحاب المذاهب المختلفة. قررنا أن نجتمع لنتوحد على الأقل في مواعيد الصوم والعيد. واقترحت أن نعتمد التوقيت الكندي. ففي مطلع كل شهر عربي تعلن الأرصاد الكندية مولد الهلال وهو اعتماد دقيق يعتمد الفلك ولا علاقة للأرصاد الكندية بصومنا أو عيدنا. ويوافق مجموعة من الشباب الا أن البقية ترفض بحجة أن تلك أطروحة السيد فضل الله! ومرة أخرى لا أعرف أن تلك أطروحة السيد فضل الله.رحم الله السيد فضل الله الذي لا أعرفه ولم ألتقه ولم أقرأ أطروحاته ولكنه بالتأكيد كان يمتلك عقلا جميلا غاب في وقت نحن في حاجة فيه الى عقل فقط.
توابل - مزاج
فقدنا رجلاً عاقلاً
18-07-2010