في وقت من الأوقات كنت كثير الكتابة عن موضوع البدون، وكنت كذلك نشطا مع اللجنة الشعبية لقضايا البدون، ولكنني منذ فترة ليست بالقصيرة توقفت عن المشاركة في تلك اللجنة، وتقلصت كتاباتي حول الموضوع وكذلك صرت أعتذر عن أي أنشطة مرتبطة به خصوصا اللقاءات والمداخلات التلفزيونية، ولا يعود السبب في ذلك إلى تغير إيماني بأهمية القضية، فمازلت عند موقفي القديم بأنها عادلة، لكنني صرت لا أرى أي جدوى من هذه الأنشطة «الإنشائية»، وقد كنت شرحت هذا لأكثر من طرف من الناشطين في القضية، وبينت لهم الطريقة البديلة التي أرى أنها ستكون أجدى لتحريك القضية حقا، ولكن يبدو أن لهم نظرتهم المختلفة.

Ad

على أي حال، لن ألوم أحداً إن هو استمر في السير في نفس الطريق وطرق الأبواب نفسها، ولم ييأس من إعادة سرد تاريخ القضية وتبيان حجم المعاناة التي يعيشها البدون مرة بعد مرة لكل وزير جديد يدخل إلى الحلبة، ولكل مسؤول أو نائب آخر يبدي تعاطفا مع الموضوع، وكأن هؤلاء القوم لم يكونوا يعرفون شيئا عنه من قبل. قلت لن ألومهم، لكنني سأستمر بالاعتذار عن المشاركة في هذا الأمر مادام يسير بهذه الطريقة لأني أراه مجرد إضاعة للوقت والجهد.

ما أعادني إلى الحديث عن هذا الموضوع اليوم، هو بعض ما دار في جلسة البرلمان الأخيرة التي تناولت قضية البدون، فالنائب حسين الحريتي، قال في معرض حديثه وهو يعارض مشروع قانون الحقوق المدنية: «إن أكثر القضايا المسجلة ضد مجهول هي لبدون لأنه ليس لهم بصمات» ولا أدري كيف وسعه أن يجزم بذلك مادامت القضايا قد قيدت ضد مجهول، اللهم إلا إذا كان يرمي الودع أو يخط في الرمل أو ينظر في بلورة سحرية، وأما النائب عبدالله الرومي، وبعدما صرح بأن دماءه زرقاء ليرد بذلك على استفزاز أحد النواب له، قال إن «أحد البدون من العسكريين صوّر امرأة وهددها بالصور فاشتكت عليه بعد التحرير وعندما فتشوا شقته بالجابرية عثروا على جوازه العراقي»!

النائبان الحريتي والرومي، وكلاهما رجلا قانون، فالأول قاض والثاني محام، أرادا من خلال هذه المداخلات أن يبينا أن البدون، أو جزءا منهم حتى أتحرى الدقة، هم مجرمون مندسون مزوّرون، وسؤالي هنا للنائبين رجلي القانون، زادهما الله حرصا على أمن البلد: ما التصرف الصحيح مع المجرمين والمندسين والمزورين، ممن ليس لهم بصمات ويقومون بالجرائم التي تقيد ضد مجهول، وممن يخبئون جنسياتهم الأصلية، الذي يجب أن يكون برأيكما؟!

البديهي الذي كنت أعرفه، وأظنه كان معروفا كذلك عند عموم الناس، قبل اللجوء إلى الاستعانة اليوم بعلم وحكمة رجال القانون كالنائبين الحريتي والرومي مثلا، أن المجرم يجب أن يُضبَط ويحال إلى القضاء لينزل به العقاب، لا أن يُترك طليقا هائما بلا بصمات مقيدة في السجلات الأمنية، حتى ينفذ المزيد من الجرائم، وأن يكتفى بحرمانه من تعديل وضع إقامته!

وسؤال آخر هنا لكل الحريصين حقا على أمن البلد: لماذا لا نقبل أن تحال جميع ملفات البدون المسجلين في «اللجنة الأمنية»، صالحهم وطالحهم، مجرمهم وبريئهم، المزور منهم والصادق، المخفي منهم لجنسيته الأصلية ومن لا يملك جنسية حقا، إلى القضاء ليبت في أمرهم جميعا؟ لماذا نقبل أن يظل بين ظهرانينا وعبر هذه السنوات الطويلة، آلاف المجرمين من البدون المزورين والمندسين والمجرمين والمنتمين إلى الجيش الشعبي وغيرهم، ممن وجدت اللجنة الأمنية أنهم كذلك، ولم تحرك ساكنا سوى أنها تحتفظ بالملفات في أدراجها؟!

وسؤال أخير، لا أدري لمن أوجهه: من المنتصر الآن؟ هل هم من يتهمون البدون بأنهم مجرمون؟ أم هؤلاء البدون المجرمون، على افتراض أنهم حقا كذلك، وهم لايزالون حتى الساعة يسرحون ويمرحون وينفذون جرائمهم في بلادنا؟!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة