ما لم يقله أوباما وما نريده في خطاب القاهرة

نشر في 10-06-2009
آخر تحديث 10-06-2009 | 00:00
 د. شاكر النابلسي -1-

لا شك في أن أميركا قد كسبت بخطاب أوباما في القاهرة مكاسب كثيرة، وأصبحت الدولة التي يتلهف العالمين العربي والإسلامي إلى ما ستقول وما ستفعل. ولعل التلهف العربي والإسلامي قبل الخطاب، وأثناء الخطاب، وبعد الخطاب، لدليل واضح وأكيد على مدى اهتمام هذين العالمين بكل ما ستقوله وستفعله أميركا، في المستقبل القريب.

فأميركا كما برزت بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد حرب السويس 1956، أصبحت هي المفتاح لحل مشاكل الشرق الأوسط. وعندما أيقن الرئيس السادات أن أميركا تملك 99% من مفاتيح الشرق الأوسط سخر منه الكثيرون، لأن الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت، كان قوياً، ولا يزال قائماً. ولكن الكثيرين لم يدركوا، أن الاتحاد السوفييتي في نهاية السبعينيات كان يحتضر احتضار الموت الأبدي، وهو ما حصل في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.

-2-

الاهتمام العربي والإسلامي بخطاب أوباما كان في معظمه عاطفياً، وكان يُظَن أن أوباما سيُقْدم في خطابه على خطوات حاسمة وصارمة، فقد تعوَّد العرب والمسلمون على هذا النوع من الخطابات الحماسية، التي تدغدغ العواطف، وتتغرغر بالشعارات الطنَّانة والرنَّانة، والتي تأخذك إلى النهر، وتعيدك عطشاناً كما يقال.

-3-

لقد شعر بعض العرب والمسلمين، خصوصا الفلسطينيين، أن أوباما لم يأت بجديد، فهو الذئب الأميركي، الذي كان على حاله الرئيس السابق بوش، ولكن بثياب حَمل بريء هذه المرة، وكانت جُمَلُ خطابه، وتعابيره دينية أو سماوية، أكثر منها أرضية وواقعية.

وهو بغض النظر عن استشهاداته من الكتب السماوية، فقد كان السياق العام لخطابه عبارة عن هدهدة للعالمين العربي والإسلامي، وأما الحقائق الواقعة على الأرض، فبقيت على ما هي عليه، رغم انتقاده المبطن دون المعلن، للعرب والمسلمين واليهود. وهو الخط الأحمر الذي يجب عدم تجاوزه في أدبيات النقد السياسي الأميركي الرسمي لأي جهة من الجهات. وبغض النظر عما قالته «حماس»، وعلَّقت عليه من نقد سلبي- وهذا كان متوقعاً- فقد حرص أوباما في خطابه، أن يقول صراحةً، إنه «يجب على الفلسطينيين أن يتخلَّوا عن العنف. وأن المقاومة عن طريق العنف والقتل أسلوب خاطئ، ولا يؤدي إلى النجاح». وقال أيضاً، منتقداً «حماس» والجماعات الإسلامية المسلحة في غزة: «إن طريق العنف طريق مسدود. وإن إطلاق الصواريخ على الأطفال الإسرائيليين في مضاجعهم، أو تفجير حافلة على متنها سيدات مُسنَّات، لا يُعبِّر عن الشجاعة، أو عن القوة، ولا يمكن اكتساب سلطة التأثير المعنوي، عن طريق مثل هذه الأعمال، إذ يؤدي هذا الأسلوب إلى التنازل عن هذه السلطة». وقال موجهاً كلامه لحركة «حماس» بالذات: «إن تنظيم «حماس» يحظى بالدعم من قبل بعض الفلسطينيين، ولكنه يتحمَّل مسؤوليات كذلك، ويتعين على تنظيم «حماس»- حتى يؤدي دوره في تلبية طموحات الفلسطينيين وتوحيد الشعب الفلسطيني- أن يضع حداً للعنف، وأن يعترف بالاتفاقات السابقة، وأن يعترف بحق إسرائيل في البقاء».

وإذا كان بعض المعلقين اعتبروا أن ما قاله أوباما في موضوع الكفاح المسلح، هو أسطوانة مشروخة، سبق أن سمعوها من رؤساء ومسؤولين أميركيين وغربيين سابقين، فقد حان الوقت الآن لكي نكون على قناعة تامة، بألا مجال للكفاح المسلح العبثي، وأن زمانه ومكانه قد انتهيا، بنهاية الحرب الباردة بين العملاقين السابقين.

-4-

والآن ماذا كان يريد العرب والمسلمون من خطاب أوباما، ولكن آمالهم باءت بالفشل، ورغم ذلك فقد صفقوا له عدة مرات، ونهض طلاب من جامعة الأزهر، وهتفوا له، إلا أن اليمين العربي والإسلامي الديني والقومي، كانا يأملان من أوباما أن يقول بمنطق المرشد العام للإخوان المسلمين، أو الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي (القيادة القطرية والقيادة القومية) وباقي أحزاب العرب والمسلمين الدينية والقومية ما يلي:

1- لقد أخطأت أميركا في حربها على الإرهاب، وفي غزوها لكل من أفغانستان والعراق. ونطلب من العرب والمسلمين الآن الصفح والغفران، ونتعهد بعدم تكرار ذلك مستقبلاً، حتى لو دمَّر الإرهابيون أميركا عن بكرة أبيها. (انتهى النطق المطلوب) وعلينا أن نذكر تماماً، بأن أميركا لم تقم بحملتيها العسكريتين على أفغانستان والعراق، إلا بعد أن تعرضت لأسوأ عدوان في تاريخها، فاق عدوان اليابان في بيرل هاربر 1942. فنحن العرب والمسلمين الذين جررنا أميركا إلى حربنا، وإلى أن يكون وجودها العسكري في الشرق الأوسط على هذا النحو.

2- إن إسرائيل دولة صهيونية عدوانية، لا حق تاريخياً لها في فلسطين. وسنعمل مع العرب والمسلمين على تدميرها، وإعادة كل الفلسطينيين الذين شردوا من بيوتهم وأراضيهم في 1948. وسوف نقوم بدعم المقاومة الفلسطينية المسلحة، وكذلك «حزب الله» من أجل المساعدة، للقضاء على إسرائيل، كما فعلنا في أفغانستان حين دعمنا المقاومة الإسلامية الطالبانية والمتحالفين معها من المجاهدين المسلمين، من كل أنحاء العالم الإسلامي، ضد الاتحاد السوفييتي، ونجحنا في هزيمة وإخراج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان عام 1989.

3- إن أميركا هي المسؤولة الأولى عن ازدياد وتيرة الإرهاب في العالم، وليست الدول العربية والإسلامية، التي شجعت على قيام الجماعات الإسلامية المسلحة في معظم أنحاء العالم العربي والإسلامي لأغراض سياسية وقتية زالت، وبقيت عناصر الإرهاب في الشرق الأوسط موجودة وتقوى وتتكاثر يوماً بعد يوم.

4- من حق إيران أن تملك السلاح النووي كبقية الدول الغربية وإسرائيل والباكستان. وسوف نسعى إلى تحقيق رقابة ذاتية على هذا السلاح. ويكفي أن إيران دولة مسلمة، وإسلامها يمنعها من أن تستعمل سلاحها النووي في غير مكانه. وعلى كل حال لا بأس من امتلاك إيران للطاقة النووية للأغراض السلمية. وسوف نحاور إيران بالتي هي أحسن، لكي نجعلها ونجعل كل بلدان المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، ولكن لن نغزو إيران كما غزونا العراق، من أجل سراب في الصحراء.

ورغم هذا، ولو أن أوباما قال هذا حرفياً فسنظل نرفضه، ونلعن أميركا من ورائه.

ألسنا نحن أمة الرفض واللعن، باعتزاز كبير؟

* كاتب أردني

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top