زمن عبدالله السالم الحرية...
كان التعامل مع حرية التعبير في زمن عبدالله السالم، وحتى الاستقلال وصدور الدستور يتم وفق منظور أمني، بل كانت الأوامر الرقابية تتم معالجتها في أروقة دائرة الأمن العام ورئيسها الشيخ عبدالله المبارك رحمه الله. ويأتي من ضمن ذلك أيضاً التعامل مع الندوات والمحاضرات والمهرجانات الخطابية.كان لافتاً أن تلك المنظومة الذهنية هي التي سيطرت على أحداث 1959. ففي بداية تلك السنة نظمت مجموعة من القوى السياسية بقيادة التيار القومي العربي احتفالاً شعبياً جماهيرياً في ثانوية الشويخ وذلك للاحتفال بمرور سنة على تأسيس الجمهورية العربية المتحدة، أي الوحدة بين مصر وسورية. وقد أُلقيت في تلك الاحتفالية خطبٌ حماسية داعمة للوحدة ومنددة "بالأنظمة الرجعية"، ولم يتم استثناء الكويت من الانتقاد! كان من ضمن الحضور أحمد سعيد المذيع الأشهر في إذاعة صوت العرب الذي ألقى عليه البعض اللوم بسبب خداعه للناس بعد هزيمة 1967، كما كان المتحدث الرئيسي جاسم القطامي، شفاه الله، الذي ألقى خطاباً حاداً طالب فيه باتباع الكويت خطى الجمهورية المتحدة.
نتج عن ذلك النشاط إجراءات قمعية شديدة، واعتقالات، والأهم من ذلك هو إغلاق الأندية والصحف ومنع الانشطة العامة على الرغم من أن المهرجان نفسه كان يحظى بدعم من عدد من أفراد الأسرة الحاكمة، وقد قيل حينئذٍ إن سبب شدة الإجراءات لم تكن بسبب ما قيل في المهرجان، ولكن بسبب الخشية من استفزاز النظام العراقي الجديد، الذي كان قد وصل إلى الحكم عبر انقلاب عسكري مطيحاً بالحكم الملكي قبل بضعة أشهر.أما بالنسبة لوضع الحريات في الكويت فلم تبدأ بالتنفس إلا بعد الاستقلال سنة 1961.من الواضح أنه في أي تحرك لتعليق الدستور يتم التركيزعلى أدوات ووسائل التعبير، وقد جرى ذلك في إضافة المادة 25 مكرر عدة مرات إلى قانون المطبوعات التي تتيح إغلاق الصحف بأمر إداري لا قضائي وعلى الأخص بعد حل المجلس عام 1976، وقد زادت تلك الجرعة في 1986 إذ فرضت الرقابة المسبقة على الصحافة ولذلك حديث ذو شجون وشؤون. أما الآن فنحن بصدد احتجاز المحامي محمد عبدالقادر الجاسم، الذي لم نكن نتوقع أن يطالب بسداد كفالة مالية قدرها ألف دينار وهو مبلغ له بعد رمزي. فقد صرحت سارة لياويتسن المديرة التنفيذية لقسم الشرق الاوسط وشمال إفريقيا في منظمة هيومان رايتس ووتش بأن حبس منتقدي الحكومة بسبب تصريحهم بتعليقات سلمية يؤثر على سمعة الكويت كأحد أكثر البلاد حرية في المنطقة، وطالبت بالإفراج فوراً عن الجاسم وهو ما نراه الإجراء الوحيد الصحيح الذي يتسق مع التزامات الكويت تجاه المجتمع الدولي وعلى الأخص مصادقتها على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وغيرها. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة