قراءتان لنتائج زيارة جنبلاط لدمشق: تثبيت «الوسطية» أو الانتقال إلى قلب «8 آذار»
انكبَّ المراقبون السياسيون على محاولة قراءة مرحلة ما بعد زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط إلى دمشق، ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد.وعلى الرغم من أن الزيارة لم تكُن مفاجئة، على اعتبار أنها جاءت تتويجاً لمسار سياسي التزم به جنبلاط منذ 2 أغسطس الماضي، بعد أقل من شهرين على الانتخابات النيابية، بإعلانه الخروج من قوى 14 آذار مع بقائه جزءاً من الأكثرية النيابية التي أفرزتها الانتخابات برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، فإن المعنيين بالتموضعات السياسية بدوا مربَكين وغير قادرين على الجزم حيال واحد من خيارين:
الأول بقاء جنبلاط في "الوسطية" التي خرج إليها من 14 آذار.الثاني انتقال جنبلاط من "الوسطية" إلى قلب قوى 8 آذار ومواقفها المتناغمة مع سورية.ومع أن أوساطاً سياسية كثيرة كانت تترقب المؤتمر الصحافي لجنبلاط كإشارة حاسمة الى واحد من الاتجاهين، فإن هذه الأوساط لم تتمكن من الاتفاق على قراءة واحدة لمضمون الكلام السياسي الصادر عن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وخلصت الى الآتي: 1- فريق رأى أن جنبلاط عبّر بالخيارات والثوابت التي أعلنها في مؤتمره الصحافي السريع، عن الوسطية التي سبق أن التزم بها بحيث يدعم المقاومة ويحميها كخيار مرحلي للتحرير، ومنطق الدولة كخيار استراتيجي على المدى البعيد يبدأ بضرورة رعايتها كمشروع يعمل عليه رئيس الحكومة سعد الحريري.2- فريق ثانٍ رأى أن جنبلاط بات كلياً في عداد وجهة النظر السورية-الإيرانية من الوضع اللبناني، ذلك أن جنبلاط بتبنّيه خيار المقاومة ودعمها إنما يكون تبنى خيار دمشق وطهران القائم على الإمساك بمفاصل الحياة السياسية في لبنان من خلال حزب الله ومقدراته السياسية والعسكرية والأمنية، إذ إنه لم يعُد بإمكان سورية بعد خروج جيشها من لبنان أن تدير الوضع بصورة مباشرة، لذلك فهي اختارت تثبيت خياراتها وتوجهاتها من خلال حزب الله.ويبدو أن فريقاً داخل قوى 14 آذار لايزال يراهن على أن جنبلاط لن يذهب في خياراته الجديدة الى حدود إفقاد رئيس الحكومة سعد الحريري أكثريته النيابية، إنما سيبقى في حدود الجمع بين دعم الخيارات السياسية والاستراتيجية لسورية وحزب الله، في مقابل تأمين الغطاء النيابي للرئيس سعد الحريري، مادام أن رئيس الحكومة يعمل في ظل متطلبات التقارب السوري-السعودي الذي يقتضي تجميد البحث في ملف سلاح حزب الله من خلال عناوين وسيناريوهات متعددة، أبرزها للمرحلة الحالية المراوحة التي تتميز بها اجتماعات هيئة الحوار الوطني في شأن الاستراتيجية الدفاعية للدولة اللبنانية.في المقابل، فإن قوى 8 آذار تدعو خصومها الى الواقعية والاعتراف بالهزيمة السياسية، وأن المرحلة المقبلة ستُبنى على أسس مختلفة تماماً عن تلك التي قامت عليها المرحلة الممتدة من 2005 الى 2009.وتتحدث أوساط هذه القوى عن فترة سماح قصيرة لأسابيع معدودة، ليعيد رئيس الحكومة سعد الحريري وحلفاؤه حساباتهم، قبل أن يجدوا أنفسهم أمام أمر واقع جديد يضطرهم إلى التعاطي مع وضع حكومي جديد مبني على أسس مختلفة عن تلك التي قامت عليها الحكومة الحالية هندسة وشكلاً وتركيبة وبياناً وزارياً... وربما رئاسة.