أوضحت معالجة الحكومة لموضوع المسرحين من القطاع الخاص ما تطرقنا إليه في مقالات عدة من أن القرارات الحكومية لا تُبنى في الغالب على سياسات عامة طويلة المدى، إنما تكون ردات فعل «لتلطيف» أو «تسكين» بعض الآثار الجانبية للمشاكل العامة، لذلك عادة ما تقتصر المعالجة الحكومية لأي مشكلة عامة على تضييع الوقت والجهد والمال على التعامل مع بعض آثارها أو مظاهرها المؤقتة وإهمال جذورها أو أسبابها الرئيسة.

Ad

فمشكلة البطالة على سبيل المثال هي مشكلة عامة لها أسباب كثيرة ومتنوعة، كان من المفترض أن تدرسها منذ زمن بعيد أجهزة الحكومة المختصة لمعرفة ماهيتها وطبيعتها وحجمها وأسبابها الرئيسة، ثم تضع البدائل المناسبة لمواجهتها من خلال سياسة عامة معلنة وشفافة، بدلا من الانتظار حتى يضغط بعض المتضررين كالمسرحين مثلا لكي تقوم الحكومة بتقديم حل جزئي مشوه لمشكلتهم على اعتبار أنها هي السبب الرئيس لمشكلة البطالة، مع أنها لا تتعدى كونها أحد آثارها أو مظاهرها، لهذا فقد كانت المعالجة الحكومية لمشكلة المسرحين ملتبسة مما يثير الكثير من علامات التعجب والاستغراب، كما يتضح من التالي:

أولا: هنالك لبس وعدم دقة في تعريف من هو العاطل عن العمل؟ فمشكلة البطالة لا تقتصر على المسرحين وحدهم، لأن هناك الألوف من المواطنين الشباب بمن فيهم الخريجون ممن ينتظرون الحصول على فرص وظيفية، علاوة على من استقالوا من القطاع الخاص نتيجة للضغوط التي تعرضوا لها في الفترة الأخيرة، وبعض هؤلاء قد يكون أكثر كفاءة ممن فقد وظيفته نتيجة لضعف الأداء، ومن المضحك حقا أن تعلن الحكومة أنها ستحدد ما إذا كانت الاستقالة نتيجة لضغوط معينة لكي تدرج صاحبها ضمن تعريفها للمسرحين، مع أن ذلك غير ممكن، وكان الأجدى هنا أن يتم اعتماد التعريف العالمي للعاطل عن العمل لكي يشمل العاطلين بكل شرائحهم.

ثانيا: هناك تضارب في الأرقام التي قدمتها الحكومة حول عدد المسرحين من القطاع الخاص بحسب التعريف غير الدقيق الذي قدمته، ففي حين أعلن بشكل رسمي أخيرا عن وجود ما مجموعة 904 مسرحين من القطاع الخاص، فإن وزير المالية قد سبق أن أعلن أن هنالك 1200 مسرح، لا بل إن أحد مسؤولي برنامج إعادة الهيكلة قد صرح يوم الجمعة الماضي لإحدى الصحف الزميلة بأن «أعداد المسرحين بالآلاف»، لكن بعضهم لم يبلغ التأمينات الاجتماعية حتى الآن!

ثالثا: حددت الحكومة فترة منح بدل البطالة للمسرحين بستة أشهر، ولا نعرف حقيقة كيف؟ وبناء على ماذا تم تحديد هذه المدة؟ وماذا مثلا لو لم يحصل المسرح بعدها على فرصة وظيفية؟ وهل هنالك بدائل معينة ستقدمها الحكومة؟ أم سيظل الشخص بعد هذه المدة عاطلا عن العمل من دون أن يشمله بدل البطالة؟

رابعا: من ضمن الشروط المطلوب توافرها في من يستحق بدل البطالة حسب الإعلان الحكومي المنشور في الصحف هو أن يكون مسرحا عن العمل خلال الفترة من 1 أكتوبر 2008 حتى 3 أغسطس 2009. وهنا أيضا لا نعرف كيف حددت هذه الفترة؟ هل بناء على وجود الأزمة المالية العالمية؟ لكن، لحظة، أليس من المعروف أن الأزمة المالية العالمية قد بدأت فعلىا في أغسطس من العام الماضي، ولاتزال مستمرة حتى الآن، ويتوقع أن تستمر إلى أجل غير قريب؟ ثم ماذا لو قامت بعض شركات القطاع الخاص بتسريح عدد هائل من المواطنين قبل هذا التاريخ أو بعده؟

لذلك فإن المطلوب هو، كما كررنا مرارا، الإسراع في رسم سياسة عامة متكاملة تكون واضحة وشفافة، لكي تعالج مشكلة البطالة بشكل جذري، بشرط أن تحدد المشكلة بشكل دقيق، وتأخذ في الاعتبار العوامل كافة التي ساهمت في نشوئها، وسوف تساهم في تفاقمها مستقبلا، ثم تضع مجموعة بدائل حول كيفية معالجتها يختار منها البديل الأفضل والأقل تكلفة اقتصادية واجتماعية وسياسية.

أما على المدى العاجل فإن المطلوب أمران هما:

أولا: توسيع مظلة التأمينات الاجتماعية لكي تشمل تأمين البطالة للعاملين كافة، لاسيما أولئك الذين يعملون في القطاع الخاص، وثانيا: التأكيد على أن يشمل بدل البطالة المؤقت، الذي تقدمه الحكومة، العاطلين الجدد الذين لم يسبق لهم العمل من قبل ضمن ضوابط معينة.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء