السلاح والحق الاساسي
ما قاله الشيخ نعيم قاسم ليس خارجاً عن أدبيات «حزب الله» المألوفة. لكنه، بتوقيته الدقيق، أشبه بـ»عملية استباقية» جديدة ينفذها الحزب متجاوزاً استحقاق اليوم الانتخابي في لبنان، وملغياً النتائج، ومباشراً صوغ البيان الوزاري أو تدشين أزمة حكم تحت عنوان «شرعية السلاح» المخزون والآتي، ومنتهكاً حقاً أساسياً من حقوق الناس، وهو العيش بأمنٍ وسلام.
مهما كان شكل الأكثرية والأقلية، وأنّى اتجه الثلث المعطل أو المرجِّح، فلا أحد يتوهّم تغييراً في البيان الوزاري المُقبل لمصلحة حق الدولة وحدها في امتلاك السلاح وقرار السلم والحرب. غير أنّ نائب الأمين العام لحزب الله خطا خطوةً إضافية بإعلانه أنّه بوسع مجلس الأمن الغرق في سُباتٍ عميق فيما السلاح إلى ازدياد، مصوباً عملياً على القرار 1701 ومستخفاً بدور القوات الدولية ومبشراً بإفراغ مهمتها من أي مضمون.يثبِّت الشيخ نعيم عملياً قناعات «الحزب الأصلية» مستثمراً في «7 مايو»، فهو لا يرى، أساساً، شرعيةً تعلو على شرعية المقاومة، ويعتبر سلاحها مقدساً وغير مطروحٍ على طاولة الحوار إلا بصفته مادة جدل تنتظر التطورات.إنّه سقفٌ سيدفع نصف اللبنانيين على الأقل إلى التساؤل عن جدوى الانتخابات مادامت نتائجها غير مؤثرة في موضوع خلافٍ جوهري، ومادام السلاح يحدّد مستقبل البلاد كلّه، إذ به يتعلّق الأمن والاستقرار، وبه تتحدّد السياسات الداخلية، وانطلاقاً منه تُرسم العلاقات مع المجتمع الدولي. يقفز الشيخ نعيم على «7 يونيو» سلفاً فيقرّر مضمون البيان الوزاري ونتائج الطاولة الجديدة للحوار، وكأنّه يتناسى تنافس مرشحين على مدى أشهر وحملاتٍ خيضت بشراسةٍ في ظلّ أعلام وألوان كان القاسم المشترك بينها «مشروع حزب الله» استهدافاً أو دفاعاً، فشكّل العنوان شبه الوحيد لمعركةٍ أمل اللبنانيون جعل صناديق الاقتراع فيصلاً فيها، فإما أن يقرّر المجتمع السير في مشروع الساحة، وإما أن تستردّ الدولة الساحة فتتحوّل إلى مساحة لقاء ونماء. وفي قفزة الشيخ نعيم كذلك رسالة للداخل هي تهديد بمعرض التأكيد، ورسالةٌ إلى الخارج فيها تحدٍ مفاده أنّ الحزب لاعبٌ خارج إطار الالتزام الرسمي اللبناني وبالتالي هو جزءٌ من محورٍ بوجهةٍ معروفة ووزنٍ يتجاوز دولة لبنان.لا تكفّ المقاومة عن التأكيد بأنّها لم تنشأ بإذنٍ وأنّ سلاحها لا يحتاج الى «رخصة» أيٍّ كان. كلامٌ صائبٌ إبان الاجتياح حين قامت شرعياتٌ ثورية أطلقتها «المقاومة الوطنية اللبنانية» أسوةً بتجارب خاضتها مجتمعاتٌ سقطت تحت نير الاحتلال وانتهت مقاوماتها بالانضواء في كنف الدولة والرضوخ للعبة الانتخابات. أما مقاومة «حزب الله» فشذوذٌ عن القاعدة، كونها تصرّ على الاحتفاظ بالسلاح وتحوله جزءاً من التوازنات الأهلية، ما ينذر بجرّ لبنان إلى خطر تعميم التسلّح أو التأسيس لتجدُّد الحرب الأهلية أو التسبُّب بإطلاق العنان لشرعية ثورية مقابلة تقوم مشروعيتها على مقاومة السلاح انطلاقاً من حقّها الأساسي في العيش بسلام. قد تدّعي هذه الشرعية كذلك انتفاء الحاجة إلى رخصةٍ أو استئذانٍ مادامت الوسائل الديمقراطية غير مجدية والانتخابات لا تعالج المعضلات وحقّ شعبها في التمتع بدولة طبيعية مستباح.لا يستطيع أحدٌ نزع سلاح حزب الله»، لكن على الأخير التعاطي بواقعيةٍ مع مسألة الانقسام حول السلاح، وهو انقسامٌ خطير لن تطمسه انتخابات ولا بيانات وزارية ولا حكومات وفاق كونه مولِّداً لمشاعر غبن في بلدٍ غير متجانس ودقيق التوازنات. وسيكون الحزب واهماً ومشتبِهاً لو تصوّر إمكان فرض خياره على اللبنانيين حتى لو تظلّل ببيانٍ وزاريٍّ وتحالفاتٍ ورهبةٍ وأكثريات. وله في الوصاية السورية أكبرُ مثال. ألم يُحكم لبنان بجيشيْن وأجهزةٍ أمنية وثلاث أكثرياتٍ طائفية وأحزابٍ وميليشياتٍ مسلّحة ومقاومةٍ منتصرة؟ألم تنتهِ الوصاية لأنّها قامت على القهر وانتهكت حقوق الناس الأساسية؟ أوَليس حقّ العيش بلا سلاح حقاً أساسيّاً تضمنه شرعة حقوق الإنسان؟