العشرات من مناصري "الحراك" داخل وخارج، من أبناء الجنوب أو غيرهم يتنصلون من انتمائهم إلى اليمن، بل يفضلون مسمى الجنوب العربي، لمجموع محافظات جنوب اليمن.
ومن باب الإشارة التاريخية، فإن دراسة علمية للباحث زيد يحيى المحبشي خلصت إلى وحداوية الأرض اليمنية في جنوب الجزيرة العربية. ومن المفارقات، فقد استند الباحث في دراسته إلى عدد من المراجع لكُتّاب جنوبيين صدرت قبل الوحدة، وقد ورد ذكر سبأ والأحقاف في القرآن الكريم والسنّة، فعندما أسلم أهل اليمن، قال عنهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يستقبل وفودهم "جاءكم أهل اليمن... الخ". إلا أن الأتراك والإنكليز تقاسموا شمال وجنوب اليمن مطلع القرن الماضي، وعلى إثر ذلك ظهرت علامات التشطير ورسمت الحدود السياسية كما هو حال بلدان الجزيرة والوطن العربي الكبير.إلا أن السياسي المخضرم عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي محمد حيدرة مسدوس يشدد على القول، إنه "لا يمكن فهم الوحدة أصلاً بدون الاعتراف بأن اليمن قبل إعلان الوحدة كان يمنين هما اليمن الجنوبي واليمن الشمالي، وبدون الاعتراف بأنهما كانتا دولتين بهويتين منفصلتين اعترفت كل منهما بالأخرى، ومعترف بهما دولياً حتى يوم 22 مايو 1990، وبدون الاعتراف بأن الوحدة التي تم إعلانها في هذا التاريخ هي وحدة سياسية بين دولتين، وليست وحدة وطنية بين أطراف دولة واحدة".ويضيف مسدوس، وهو مؤسس تيار "إصلاح مسار الوحدة"، في حديثه لـ"الجريدة"، أن "الجنوبيين ليسوا ضد الوحدة، وإنما ضد الحرب ونتائجها التي عطلت مسار الوحدة، كما أن الخلاف أساساً ليس حول الوحدة في حد ذاتها، وإنما هو أصلا حول مفهوم الوحدة".ويوضح السياسي المخضرم: "في حين يفهم الجنوبيون الوحدة أنها وحدة سياسية بين دولتين، يفهمها الشماليون أنها وحدة وطنية بين أطراف من دولة واحدة، ويعتقد الشماليون أن يمنية الجنوب تجيز لهم نهب الجنوب والسيطرة على أرضه وثروته وطمس تاريخه السياسي وهويته، وهذا هو ما حصل بالفعل بعد الحرب، وهو شكل من أشكال العبودية".مسدوس لا يرى أن ما يدور في الجنوب "مشكلة حقوق سُلِبت وأراض نُهِبت"، وإنما هي "مشكلة سياسية تتعلق بالوحدة السياسية بين دولة اليمن الجنوبية ودولة اليمن الشمالية". ويضيف أن "القضية الجنوبية التي أوجدتها الحرب هي تختلف من حيث المبدأ عن قضايا المظلومين في الشمال، لأن قضايا المظلومين في الشمال هي قضايا حقوقية في إطار دولتهم، وهي قضايا يحكمها بينهم صندوق الاقتراع".انضمام الفضلي وعودة البيضيقلق السلطة تمدد "الحراك" أفقياً بين المواطنين، أما ما يربك محاولات سيطرتها عليه هو انضمام شخصيات قوية وذات نفوذ وتأثير.قبل عام تماماً شكل انضمام طارق الفضلي، وهو نجل سلطان أبين قبل استقلال الجنوب، وشخصية اجتماعية كانت مقربة من الرئيس صالح، صدمة قوية للنظام، وبالمقابل اعتبر إضافة نوعية للحراك، رغم الشك الذي اعتراهم في بادئ الأمر نظراً لعلاقة المصاهرة بينه وبين الأخ غير الشقيق للرئيس صالح.الفضلي، وهو صاحب نفوذ قبلي واسع في أبين، انضم إلى "الحراك" معلناً أنه "مستعد لاستخدام القوة في وجه المحتل" على حد قوله. وبدت خطاباته قوية مما أكسبه ثقة فصائل "الحراك".ومع استمرار رفع عناصر "الحراك" في بعض مديريات أبين ولحج والضالع، للعلم الشطري للجنوب، وصوراً لـعلي سالم البيض، حدث تطور آخر لم يكن أقل أهمية للحراك من انضمام الفضلي، وتمثل في عودة البيض إلى الواجهة عبر تصريحات وتحذيرات متتالية. واتهمت السلطة الفضلي بالتعاون مع تنظيم "القاعدة" على خلفيته الجهادية في أفغانستان، وتأسيسه لما عرف بـ"جيش عدن أبين الإسلامي" المسؤول عن تفجيرات في عدن واختطاف وقتل سواح أجانب في 1998.في مايو الماضي كان الجنوبيون على موعد مع تطور ربما لم يكن في حسبان كثيرين، فقد غادر الرئيس الجنوبي السابق ونائب رئيس دولة الوحدة علي سالم البيض عزلته السياسية، وأعلن من زيوريخ عودته مجدداً إلى الحياة السياسية، لاستئناف ذات الدور الذي أخفق في إنجازه عام 1994، أي العمل على "فك الارتباط".كان الرجل قد خرج إلى المنفى في سلطنة عمان بعد هزيمة الجيش الجنوبي في مواجهة قوات الرئيس صالح وحلفائه آنذاك، وحصل على الجنسية العمانية هو وأفراد أسرته، وتحوّل هناك إلى رجل أعمال ثري حظي بامتيازات فاقت كثيراً من مواطني عمان، حسب قول رجل أعمال عماني.نائب رئيس هيئة الحراك السلمي في محافظة عدن أنور أحمد عبدالله، يعتبر عودة البيض خياراً استراتيجياً، وفي الوقت نفسه يحمّله مسؤولية ما لحق بالجنوب بسبب "اندفاعه نحو الوحدة بذلك الشكل"، واستشهد باسماً بعبارة "اللي شبكنا يخلصنا"، من أغنية لعبدالحليم حافظ.نائب محافظ عدن عبدالكريم شايف وهو من أبنائها يقول إن "صمت البيض كان خيراً له، لأنه لا يمكن أن يأتي بشيء مفيد، خصوصاً أنه كان في السلطة ولم يقدم شيئا لبلاده".وقد أثارت يقظة البيض المتأخرة حفيظة صنعاء ودفعتها مجددا إلى توجيه أصابع الاتهام لقوى خارجية بدعم مشروع الانفصال، وهو ما لا يستبعده كثير من المراقبين. ويرى المحامي شيخ طارق عبدالله أن عملاً واسعاً بحجم ما يقوم به "الحراك" يقتضي توفر تمويل، وبالتالي لا يشك في أن جهات خارجية توفر الدعم المالي لأنشطة وفعاليات "الحراك".تذبذب «الحراك»ترتفع أصوات مناصري "الحراك الجنوبي" وتخفت لمؤثرات عدة، منها توفر التمويل سواء عبر الاشتراكات أو الهبات من رجال أعمال – حسب أنور أحمد عبدالله القيادي في هيئة الحراك السلمي في عدن، وأيضا حسب توفر الدافع، فضلا عن الإجراءات القمعية الحكومية.فتارة تنادي فصائل الحراك بالعصيان المدني، وهو ما دعت إليه مجدداً في 4 أبريل 2010، وتارة أخرى تدعو إلى استمرار النضال السلمي، وثالثة تهدد بل وتستخدم العنف كما يحدث من وقت إلى آخر في محافظتي الضالع ولحج على وجه الخصوص. وتتهم السلطات عناصر الحراك بممارسة الحرابة وقطع الطرقات وإحراق المحلات التجارية، وخصوصاً تلك التي يملكها شماليون، بل وتعتقل العشرات منهم. وتجدر الإشارة إلى أن بعض تجاوزات عناصر الحراك مثل قتل موطنين شماليين، أفقدتهم تعاطف إخوانهم في الشمال وكثير من مناطق الجنوب.إلا أن قيادي في الحراك أكد لـ"الجريدة" أن "ما حدث من قتل لمواطنين شماليين من عناصر نسبوا للحراك، هم من دسائس النظام لتشويه صورة نضالهم السلمي"، لكنه أقرّ انه من الممكن وجود عناصر من الحراك "تلجأ إلى العنف بدافع الحماس والشعور بالرغبة في الانتقام".أنور يعود ليؤكد أن نضال الحراك سلمي ويهدف إلى "فك الارتباط"، مشيراً الى أنه ورفاقه في عدن لا يتفقون مع مظاهر العنف التي تمارسها بعض فصائل الحراك في المحافظات الأخرى قاصداً أبين ولحج والضالع. ثم عاد عبدالله الذي يعمل في مهنة التدريس، ليؤكد "أن وقت المرونة مع نظام صنعاء قد انتهى ولا تراجع عن خيار استعادة دولة الجنوب". لكنه قبل انتهاء الحوار، قال: "يمكن أن نقبل بالحوار مع صنعاء لكن تحت مظلة الحزب الاشتراكي".ويقول حسام باعباد وهو ناشط في "اتحاد شباب الجنوب"، إن المحتجين كانوا في البدء "عبارة عن مجاميع صغيرة وخلال فترة بسيطة تحوَّلت إلى مجاميع كبيرة وكبيرة جداً. وكان طابع الاحتجاجات على الدوام سلميا في بادئ الأمر لكن السلطات لم تكن متسامحة على الإطلاق". ولذلك "عندما تتعامل السلطات المحلية في مثلث النار (أبين ولحج والضالع) بمرونة، تتراجع حدة الحراك، وعندما تستخدم القمع والمواجهة والاعتقالات تشتد ردود فعل عناصر الحراك ويرتفع سقف مطالبهم".ومنذ مطلع مارس 2010، تحاول السلطات وضع حد لما قالت انه "انفلات امني" يضرب بعض المحافظات الجنوبية والشرقية جراء موجة الاحتجاجات التي تصاعدت خلال الأشهر القليلة الماضية. وشاهد أعضاء فريق ملف "الجريدة"، في 30 مارس، عربات عسكرية تحمل دبابات قدمت من جبهة صعدة عبر العاصمة صنعاء، متجهة جنوباً يعتقد أنها استقدمت لتعزيز القبضة الأمنية في هذه المناطق.ولا يبدي استغراباً المستشار القانوني شيخ طارق من تصرف الدولة تجاه ما يجري في الضالع ولحج وأبين، قائلاً: "كل الحكومات في العالم تواجه بشدة أي مظاهر للشغب، إلا أنها لا تتوقف عند ذلك فحسب، بل تمتد حتى تقدم معالجات لمسببات ذلك الشغب". ويعتقد شيخ أن هذا ما تفتقر إليه المؤسسة الرسمية في اليمن.لكن هذه الطريقة قد لا تكون حاسمة، إذ يعتقد رئيس الكتلة البرلمانية عن الحزب الاشتراكي د. عيدروس النقيب أن السلطة مازالت تسير في الطريق الخطأ، مبيناً "إنهم يخطئون إذا اعتقدوا أن القمع والقبضة البوليسية سوف تلغي الاحتجاجات. ربما تستطيع تهدئتها لكنها لن تنتهي وستعود مجدداً".آليات الحراكمع تجاهل السلطة لمطالب المعتصمين في بدايات جولات الحراك والتعامل بقسوة مع الفعاليات السلمية، انتقل طابع الفعاليات إلى المطالب السياسية واتجهت أبعاد الحراك نحو مزيد من التعقيد، نرتبها كما يلي:أولا: رفض القبول بشركاء سياسيين، والمقصود أحزاب المعارضة التي أبدت رغبة في المساهمة في الفعاليات الاحتجاجية، ويشترط التجرد من الحزبية للانخراط في مضمار الحراك.ثانيا: الانتقال من الشعارات المطلبية إلى الشعارات السياسية والمطالبة العلنية بفك الارتباط، والعودة إلى ما قبل 22 مايو 1990.ثالثا: بدء التباينات بين مكونات الحراك بفعل تباين الاتجاهات السياسية وازدحام الساحة بالقيادات، ومن ثم نشوء عدد من الهيئات (نجاح، المجلس الوطني، الهيئة الوطنية للاستقلال، والهيئة الوطنية للحراك، وشباب الجنوب، والحراك السلمي).رابعا: انخراط شخصيات جديدة كانت حتى وقت قريب محسوبة على السلطة، وخاصة أشخاص مثل طارق الفضلي والشيخ عبد الرب النقيب، ومشايخ من درجات أدنى وبعضهم أعضاء في الحزب الحاكم.خامسا: ظواهر قطع الطريق أو الاعتداء على بعض المحلات التجارية، وهو ما تقول قيادات الحراك إن هناك من اخترق الفعاليات السلمية ودبر مثل هذه الأعمال، إلا إن هذا لا يعفيها من تحمل مسؤولية حسن الإعداد والتدبير للفعاليات السلمية وحمايتها من الانحرافات، وأبرزها حادثة منطقة "العسكرية" التي كان ضحاياها ثلاثة من أبناء مديرية القبيطة الأبرياء، وهي منطقة محسوبة إدارياً على محافظة لحج بعد أن كانت ضمن محافظة تعز قبل إعادة التوزيع الإداري لمحافظات الجمهورية. وقد قتلوا على يد قيادي في الحراك، بـ"تهمة التخابر مع السلطات". سادساً: دعوات الحراك إلى عصيان مدني في محافظات ومدن الجنوب. ورغم أن الحكومة تقول ان الاستجابة كانت ضعيفة لدعوات الأشهر الماضية، قال عبده المعطري الناطق الرسمي باسم الحراك لـ "الجريدة"، إن دعواتهم نجحت بنسبة 95 في المئة.سابعاً: لغة الكراهية والتضييق في التعامل مع الشماليين من قبل ناشطي الحراك سواء كانوا مقيمين في مدن جنوبية أو سائحين.ثامناً: الاستفادة من ثورة المعلومات واستخدام كل وسائل البث الإلكتروني من داخل وخارج اليمن.مستقبل «الحراك»اليوم يبدو أن السلطة بعد أن ارتفعت الشعارات المطالبة بفك الارتباط والانفصال باتت هي الجهة التي تطالب بالعودة الى موضوع تصحيح مسار الوحدة والاعتراف بالآثار الكارثية لحرب صيف 1994، وذلك ما تعهد به الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في كلمته أمام القمة العربية في مدينة سرت الليبية.يصف نائب رئيس المجلس الوطني لتحرير الجنوب أمين صالح، وهو أحد فصائل الحراك، السلطةَ بـ"نظام الاحتلال"، مضيفاً أن "هذه الحملات فشلت في الماضي ولم تحقق أي هدف من أهدافها بل زادت قضيتنا عدالة وأظهرتها للرأي العام العالمي والمحلي على السواء".مصادر محلية في الضالع ولحج تقول، إن معظم عناصر الحراك تركوا مركز المحافظتين واتجهوا إلى المناطق الريفية حيث يصعب ملاحقتهم هناك، وغالبا ما يقومون بهجمات ليلية تستهدف قوات الحكومة ثم يعودون أدراجهم. وتقول المصادر إن مناطق خارج مدينة لحج بدأت بحفر خنادق تحسبا لمواجهة أي حملات طارئة.السياسي البارز عبدالرحمن الجفري، رئيس حزب رابطة أبناء اليمن (رأي) يعتقد أن هناك قراءة مغلوطة لما يجري في الجنوب، ويتساءل "أليس نفس الأشخاص (من المواطنين) من كادوا يحملوا علي عبدالله صالح على الأكتاف عام 1989 فرحا به وفرحا بالوحدة. ما الذي عكس المواقف؟! أليست خيبة الأمل؟".ويقول الجفري إن الحل يكمن في تغيير جذري، لا بالمسكنات المؤقتة، لأن الناس "سيأخذون السيارة وسيأخذون الوظيفة والفلوس، ولن تتغير قناعاتهم بالانفصال"، مخاطباً النظام بالقول: "الوحدة ليست صنماً نعبده، فما لم تحقق مصالح الناس وكبرياءهم وتحفظ حقوقهم ومكانتهم في بلادهم، فالناس سترفضها". وبالمقابل يخاطب الحراك بالقول: "للذين يرفضون الوحدة: الوحدة ليست صنما من تمر نعبده، إذا شبعت بطوننا، ونأكله إن جعنا. إنما هي هدف سامٍ لتحقيق كرامة الناس ومصالحهم".ملف الأراضييؤكد مدير عام الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني في محافظة عدن شيخ سالم بانافع لـ"الجريدة"، أن برنامج إعادة الأراضي إلى أصحابها أو تعويض المتضررين وخصوصاً من القيادات الجنوبية السابقة: مدنية وعسكرية، داخل وخارج اليمن، أنجز بنسبة تصل إلى 95 في المئة، وذلك ضمن مخطط "منطقة المملاح" في عدن.ويشير بانافع إلى أن "المعوضين حصلوا على ما يفوق القيم الأصلية لمنازلهم المؤممة قيد الشكاوى". وكان آخر المستفيدين، حسب بانافع، الرئيس الجنوبي الأسبق على ناصر محمد، إذ تم تسليم ممثليه، في 1 أبريل 2010، أوراق ملكية بيته الذي كان بيع لطرف آخر عوضته الدولة.وقلل بانافع من أهمية تقرير اللجنة الوزارية المعروف بتقرير "باصرة - هلال" الذي أعلن قبل عامين، واشتمل على رصد لمشكلات الأراضي في عدن ولحج والمناطق المجاورة فيها، واصفاً إياه بأنه "مجرد رصد لشكاوى المتضررين دون التحقيق من صحتها أو قانونية الشكاوى". وأضاف أن التقرير "لم يذكر أي أسماء لشخصيات نافذة حسب ما اشتهر به في وسائل الإعلام".ويشدد بانافع على أهمية أن "يكف المسؤولون في قيادة الدولة وكل مؤسساتها عن التوجيهات بصرف الأراضي خارج إطار القانون"، ويرى في ذلك المخرج من هذه المشكلة، مؤكداً أن "ازدواجية الأدوار وضعف المراقبة المصاحبة لأداء الجهاز التنفيذي للدولة يعقد المشكلات أكثر".الأراضي… و«الحراك»في حين استبعد بانافع أن تكون مشكلة الأراضي أحد الأسباب الرئيسية التي ولدت الحراك الجنوبي، يؤكد بثقة أن "عناصر الحراك وقادته اتخذوا هذه المشكلة ذريعة،" فهم "يطالبون بما لا يملكون أصلاً"، مشيراً إلى أن مشروع الحراك سياسي بامتياز.كما يتهم بانافع قادة الحراك الجنوبي في أبين ولحج والضالع، بـ"أنهم تصرفوا - عقب الوحدة مباشرة - بما يزيد على 55 ألف هكتار (ما يعادل 65 في المئة من مساحة عدن)، تحت ذريعة ما عُرِف بالجمعيات الزراعية التي بلغ عددها 87 جمعية، موزعة على أعضاء الحزب الاشتراكي على أساس مناطقي، مستغلين قانون التمليك رقم 18 لعام 1990".وهذا الأمر يستدعي السخرية، بحسب بانافع "خاصة أن عدن محافظة غير زراعية، فكيف يتم إنشاء هذا العدد من الجمعيات، إن لم تكن فقط بغرض البحث عن غطاء قانوني لنهب المساكن والأراضي؟".وتعتبر قضية المساكن المؤممة منذ عام 1972 وخاصة في محافظة عدن التي توجد بها الأغلبية العظمى من تلك المساكن، حسب تقرير نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" عام 2001، إحدى أكثر القضايا حساسية بالنسبة للمواطنين، لأنها تلامس مصير أغلب السكان الذين يعيشون بها من قبل التأميم. وتملك أغلبيتهم المساكن بناء على قانون التمليك، إذ حددت أثمانها بإيجار 30 عاماً وفقاً لإيجاراتها في تاريخ صدور قانون التمليك عام 1990.قائمة سوداءوأكد بانافع أن مشاكل الأراضي معقدة جدا، وأن الهيئة تقوم بمتابعة الملف من جميع أبعاده القانونية، وأن السلطة المحلية قطعت مسافات كبيرة في إيجاد تسويات لهذه المشاكل، معزياً جوهر المشكلة إلى "الصمت الرسمي عن سماسرة الأراضي الذين يتاجرون بممتلكات الدولة وبعض المواطنين من خلال محررات بيع وشراء غير قانونية".وبينما يرجع بانافع المشكلة إلى قضية التأميم والحكم الشمولي في الجنوب سابقاً إلا أنه يقول، إن لدى هيئته حالياً قائمة سوداء تحوي 16 اسما أطلق عليهم "مافيا الأراضي" وهم متورطون في مشكلة الأراضي، وقد ساندهم مسؤولون محليون من قيادة السلطة المحلية من خلال التسهيلات بتسجيل قطع الأرض المختلف عليها - في السجل العقاري، ولا يبرئ بانافع قضاة التوثيق، مؤكداً أن سماسرة الأراضي حصلوا على مناخ مناسب للقيام بالنهب.كما يقول إن الهيئة "رفعت كشفا بأسماء شخصيات قيادية في الدولة من الجنوب والشمال وبما لديهم من أراض، وهذا الكشف لدى جهة الاختصاص وهي من تقيس هذه الأمور وتقرر متى تحرك هذه الملفات".ويضيف بانافع أن من أسباب مشكلات الأراضي ضعف هيبة الدولة، وغياب الرؤية والصرامة "وإلا لما قام العابثون بذلك"، مضيفاً "نحن بحاجة إلى دولة القانون وتكون ذات هيبة، وبحاجة إلى ديمقراطية في الحقوق".ويقول بانافع على سبيل المثال فإن في قاع (J) في المنطقة الحرة تمّ رصد 99 حالة امتلاك للأرض وجميعها متداخلة، فقد يصل عدد ملاك نفس القطعة إلى خمسة أشخاص أو أكثر، وذلك لأن كل فرد من ورثة الملاك الأصليين يبيع لمشترٍ آخر.في الحلقة الرابعة تواصل "الجريدة" في الحلقة الرابعة، بحث قضية "الحراك الجنوبي"، إذ سيتم التطرق، وعبر الأمثلة، إلى الجانب الاجتماعي وكيف بدأت وانتشرت ثقافة الكراهية بين عناصر "الحراك" تجاه كل ما هو شمالي أو جنوبي يؤكد أهمية الوحدة الوطنية.
دوليات
اليمن... من حلم الوحدة إلى كوابيس الانفصال (3/10) وقود «الحراك الجنوبي»… وآلياته
06-04-2010