قال رئيس الحكومة الصيني، وين جياوباو، في 14 مارس، وهو يقاوم عادته بتحريك إصبعه أثناء الكلام: «نحن نعارض عادة توجيه أصابع الاتهام بين البلدان»، فوجد وين، خلال حديثه في مؤتمر صحفي، صعوبة في دحض الآراء التي تقول إن السياسة الخارجية الصينية تزداد عدائيةً، لكن لا يبدو أن جميع المسؤولين الصينيين فهموا الرسالة، فهم يتصرفون بشكل متناقض في تعاملهم مع الغرب المتخاذل.

Ad

قال وين: «توجد أصلاً آراء بشأن غرور الصين وقساوتها وانتصارها المحتم، وإنها فرصتي لشرح طريقة تصرف الصين». في الواقع، كانت تلك الفرصة نادرة، «وين» هو الشخص الوحيد من بين أعضاء المكتب السياسي في الحزب الشيوعي الذي يعقد مؤتمرات صحافية دورية، مرة في السنة، في نهاية جلسة المداولات السنوية في البرلمان الصيني، المجلس الشعبي الوطني الصيني. بقي لديه سنتان فقط قبل التنحي عام 2013.

خلط كلام وين المعسول وملاحظاته التي أوصلها بصعوبة بين اللوم والنزعة الدفاعية، مع تقديم بعض الدلائل عن الطريقة التي ستعتمدها الحكومة للتوفيق بين مقاربتها المحدودة النطاق والشؤون الدولية تزامناً مع تنامي الحس الوطني في الصين. انتقد وين الرئيس باراك أوباما لأنه قابل الدالاي لاما، الشهر الماضي، ووافق في شهر يناير على عقد صفقة بيع أسلحة إلى تايوان بقيمة 6.4 مليارات دولار، وبرأيه، هذه الأفعال «انتهكت استقلال الصين وسيادة أراضيها»، ما سبب «توتراً كبيراً» في العلاقات بين البلدين، لكنه لم يهدد بالرد على هذه الخطوات، فلم تُطبَّق عملياً بعد تحذيرات سابقة ضد الشركات الأميركية التي تبيع الأسلحة إلى تايوان.

في مأخذ آخر على الولايات المتحدة، قال وين إن محاولة تعزيز الصادرات من خلال ممارسة ضغط على بلد آخر ليعترف هذا الأخير بقيمة عملتها كان شكلاً من أشكال «السياسة التجارية الحمائية». يترقب المسؤولون الصينيون بقلق التقرير التالي الذي يصدر مرتين سنوياً عن الخزانة الأميركية، في أبريل، بشأن سياسات العملة في البلدان الأخرى. في حال اعتبر التقرير أن الصين «تتلاعب» بالعملة، من المتوقع أن يرتفع التوتر بين الطرفين على المستوى التجاري. قال وين إنه كان «يؤيد بشدة التجارة الحرة» وأنكر أن عملة الصين، اليوان، فقدت قيمتها. كذلك، دعا إلى عقد مفاوضات للتوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف، وعلى الرغم من موقف الصين المتشدد بشأن عملة اليوان، فإن بعض الدبلوماسيين الغربيين يرى أن البلد سيسمح فعلياً بتقييمها في الأشهر المقبلة، لكن ليس إلى درجة كبيرة، وقد لا يفيد هذا التملق الخارجي في تحقيق الهدف، بيد أنه قد يفي التضخم بالغرض.

بعيداً عن مخاوف الغرب الأخرى، يوجد تفاؤل حذر باحتمال أن تطغى البراغماتية في بكين، إذ أمضى وين وقتاً طويلاً في مؤتمره الصحفي، وهو يدافع عن موقفه في قمة التغير المناخي في كوبنهاغن، في ديسمبر، حيث اتُّهمت الصين بإعاقة مسار القمة. قال إنه فوت اجتماعاً واحداً بين القادة لأنه لم يتلق دعوة لائقة، لكن منذ ذلك الحين، أعادت الصين التأكيد على التزامها بتخفيض انبعاثات الكربون بنسبة تتراوح بين 40 و45% في وحدة الناتج المحلي الإجمالي، بحلول عام 2020، مقارنةً بانبعاثات عام 2005. دعا تقرير وين الذي قدمه إلى المجلس الشعبي الوطني الصيني إلى قيام «نظام صناعي ونمط استهلاكي يرتكز على انبعاثات كربون منخفضة». حتى أنه لم يذكر الكربون في تقريره إلى المجلس منذ عام. تقول الباحثة ديبورا سيليغسون في «معهد الموارد العالمية»، منظمة فكرية وبحثية أميركية، إن تقرير هذه السنة كشف عن استراتيجية «واضحة وشاملة» لإبعاد الاقتصاد الصيني عن القطاعات التي تفرط في استهلاك الكربون.

يأمل المسؤولون الغربيون حتى الآن في أن توافق الصين على فرض جولة جديدة من العقوبات ضد إيران لإقناعها بضرورة التخلي عن طموحاتها النووية. في أواخر العام الماضي، توترت العلاقات بين الصين وبريطانيا بعد أن قررت الأولى تجاهل دعوة بريطانيا إلى عدم إعدام مهرّب مخدرات بريطاني قالت أسرته إنه مريض عقلياً. لكن قام وزير الخارجية البريطاني، ديفيد ميليباند، بزيارة الصين هذا الأسبوع لإقامة «حوار استراتيجي» بين البلدين، بعد أن عُقد حوار مماثل بين نائبي وزارة خارجية البلدين.

قال نظير ميليباند الصيني، يانغ جياشي، بعد اجتماعهما، إن الصين أصبحت «معنية أكثر» بالمشكلة الإيرانية، لكنها ترى ضرورة حل المشكلة عبر المفاوضات. أشار تقرير حديث صدر عن «مجموعة الأزمات الدولية» إلى أن الصين ستؤجل على الأرجح فرض عقوبات إضافية على إيران لكن من دون أن تعيق القرار في حال أجمع أعضاء مجلس الأمن الآخرون على دعم هذه الخطوة، لكن ستحاول الصين، كما حصل سابقاً، التخفيف من حدة العقوبات، تُظهر الصين تردداً في تعريض مصالحها النفطية الكبرى في إيران للخطر.

من الواضح أنّ الحكومات الغربية لا تريد بأي شكل معاداة الصين، على الرغم من استيائها من التردد في مواقفها. خصص المسؤولون البريطانيون جلسة صحافية لميليباند للتشديد على أهمية الصين باعتبارها قوة عالمية مسؤولة، في منشأة تدريب تابعة لقوات حفظ السلام بالقرب من بكين، وفي مصنع ألواح شمسية، وفي الجلسات الخاصة، يحذّر بعض المسؤولين الصينيين مما يمكن أن يحصل في حال رفع الغرب من حدة المواجهة، وقال أحد المسؤولين إن هذا الأمر قد يقسم الصين والغرب إلى «عالمين»، وقد ينشب «صراع لا ينتهي» بين الطرفين.

للتعامل مع هذا الخلاف، لا تعطي الصين أي إشارة على احتمال عقد تسوية، ومنذ فترة، تمارس الحكومات الغربية الضغوط على الصين بشأن مصير المحامي الناشط في مجال حقوق الإنسان، جاو زيشانغ، الذي سيق من منزله على يد عناصر الشرطة منذ عام. قال يانغ، في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع ميليباند، إن جاو أُدين بتهمة التمرد، لكنه لم يوضح ما إذا كان يشير في كلامه إلى حكم معلّق صدر عام 2006 (بعد التعرض للتعذيب بحسب ادعاءات جاو). صرّح ميليباند أنه لم يحصل على أي معلومات عن مكان وجود جاو. صحيح أن قادة الغرب يخشون نظام «الإشارة بالأصابع» لتوجيه الاتهامات في الصين، لكنهم اعتادوا على الأقل تجاهل الصين لحقوق الإنسان.