في السابق كان من السهل قراءة المشهد السياسي وتصنيف المجلس إلى موالاة ومعارضة، لكن بعد تبوء الشيخ ناصر المحمد رئاسة مجلس الوزراء تغيرت المعادلة السياسية، بحيث بات تصنيف النواب إلى حكوميين ومعارضة وطنية يعبر عن سذاجة سياسية في قراءة المشهد السياسي، ويعود ذلك لعدة أسباب أبرزها أن الصراع بين شباب الأسرة ظهر إلى العلن ولم يعد سراً، بل صار حديثا تتداوله الدواوين والصحف والمدونات، وانعكس هذا الصراع إلى المجلس عبر استخدام كل طرف لأدواته.

Ad

فأمام المعطيات الجديدة التي خلطت الحابل بالنابل، لم يعد كل من يقف مع الحكومة «حكوميا» بالمعنى التقليدي لأن أغلبية الواقفين معها هذه الأيام لا يفعلون ذلك حباً بها أو لمصالح شخصية، بل رغبة في دفع عجلة التشريعات التي تخدم المواطن (بالرغم من ملاحظاتهم الكثيرة على أدائها) وتفويت الفرصة على المؤزمين الذين يخدمون مصالحهم الشخصية ومصالح الأطراف الخفية التي تقف خلفهم- سواء محليا أو إقليميا- ولا همَّ لهم سوى الاستعراض وصنع البطولات الوهمية لتثبيت وضعهم الانتخابي.

وفي المقابل، ليس كل من يتوعد الحكومة «معارضا» بالمعنى التقليدي لأن أغلبية من يصنفون كمعارضين هذه الأيام هم نواب الخدمات أو «التجاوزات» الذين عرف عنهم تجاوز القانون والتجول في ردهات الوزارات لتنفيع الأقارب عبر القفز على حقوق الآخرين، ومنهم من يفتخر بأنه تابع لأحد الشيوخ، ومنهم من دخل المجلس ليصبح تاجر سلاح، ومنهم من «ضبط» إخوته في عدة مناصب، ومنهم من يجمع معلومات عن تجاوزات بعض الشركات ليبتزها و«يقبض المقسوم» بدلا من تقديم أسئلة برلمانية عنها، ومنهم من يجاهر بانتقاد ومهاجمة وزير ما «للمصلحة الانتخابية»، لكن في الغرف المغلقة يقر بصلاح الوزير وتطبيقه للقانون، ومنهم من يقول كلمة حق يريد بها باطلاً، ويكون هذا المراد الباطل أسوأ بكثير من كلمة الحق التي قالها، ومنهم من يكيل بمكيالين، فيقول إن صرف رئيس الوزراء شيكا لنائب أمر غير مقبول بتاتاً مع أن زميله في كتلة تسمي نفسها «التنمية والإصلاح» أقر بنفسه بأنه قبض شيكا من الرئيس لأغراض خيرية! فإذا كان النائب مؤمنا بالمبدأ بغض النظر عن خلفيات صرف الشيك فالأولى له طرد زميله «قابض الشيك» من الكتلة، أو أن يخرج هو بنفسه منها، هذا طبعا إن كان «حقاني» كما يدعي!

الخلاصة أن ما نشهده من أزمة لا نستطيع تصنيفها بسذاجة على أنها معركة بين المعارضة والحكومة وأتباعها أو معركة بين الإصلاح والفساد، بل إن الوضع معقد وكثير من الأمور تجري خلف الكواليس، وهناك عدة أطراف تتحرك في الخفاء وتدق الطبلة والمزمار، وليس على بعض اللاعبين الظاهرين للعلن سوى الرقص على أنغامه، فيخيل للشخص للبسيط أن هذا معارض وطني وهذا شريف، لكن الواقع يقول إنه ليس شريفا ولا فاضلا في السياسة، مع الاعتذار للشيخ المرحوم عبدالحميد كشك.

***

شخصيا، لست مقتنعا بالكفالة المطلوبة من المحامي محمد عبدالقادر الجاسم لإطلاق سراحه، لكن مادام القانون يعطي النائب العام هذا الحق فعلى الجميع تطبيق القانون بدلا من التظاهر بالبطولة وتحويل المسألة إلى قضية قمع حريات وما إلى ذلك من «الكليشيهات». فإذا كانت قضية الجاسم كيدية فإن ما تعرض له ضحايا التأبين يعتبر مليون كيدية عبر مسرحية منظمة من الحكومة الخفية باستخدام الأرشيف الصدامي والإعلام المبني على المال الحرام وطوفان الأقلام المسمومة. فتم اعتقال الدكتور ناصر صرخوه بطريقة بوليسية وقضى هو ورفاقه أياما وصلت إلى 3 أسابيع وخرجوا بكفالة قدرها 10 آلاف دينار (وليس ألفا فقط). حينها لم يكن المدافعون عن الحريات اليوم من الصامتين فقط بل كانوا ممن ركبوا موجة التحريض والتخوين وقمع الحرية، لكن سبحان مغير الأحوال!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة