تنتظر الأوساط السياسية في لبنان الكلمة التي سيلقيها الأمين العام لحزب الله والتي وعد أن يعرض فيها وثائق تدين إسرائيل في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

Ad

بدا القريبون من دوائر القرار في قوى 14 آذار، وخلافاً لما يسود الرأي العام اللبناني، غير قلقين مما يمكن أن يعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله مساء غد الإثنين من "معلومات ووثائق وإثباتات" قال إنه يملكها في شأن جريمة اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ورفاقه.

ويلفت سياسيون كبار من فريق الأكثرية إلى أن كل معلومة تتصف بالمصداقية لا بد أن تكون موضع ترحيب، خصوصا إذا كان من شأنها أن تساهم في كشف حقيقة جرائم الاغتيال ومحاولات الاغتيال التي استهدفت سياسيين وقادة رأي وصحافيين وعشرات من المواطنين خلال السنوات القليلة الماضية. وبالتالي فإن تصوير الأمور وكأن هناك في الأكثرية من يخاف من الحقيقة هو تزوير سياسي يسقط بمجرد التذكير بأن الشهداء والمصابين هم جميعهم من الفريق الأكثري، وبالتالي فإن كل السيناريوهات تبقى واردة وممكنة باستثناء سيناريو واحد هو اتهام الأكثرية بجرائم اغتيال نفسها.

ويرى هؤلاء السياسيون بأن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سيختم غدا سلسلة "هجماته" السياسية والإعلامية في شأن التحقيقات التي يتولاها المدعي العام الدولي دانيال بلمار، ليجد نفسه في اليوم التالي في موقع من عليه أن يجيب على سلسلة من الأسئلة في شأن ما أعلنه أبرزها:

1- لماذا سكت عن المعلومات التي كشفها خمس سنوات طالما أنها موجودة في أرشيف حزبه كما أعلن صراحة في إطلالته الأخيرة؟

2- إذا كان الهجوم على مسار التحقيقات يرتكز على عدم ملاحقة شهود الزور باعتبار أن شهادة الزور جناية يعاقب عليها القانون، فإن كتم المعلومات في حال كانت هذه المعلومات صحيحة، يعتبر بدوره جناية يعاقب عليها القانون تماما كشهادة الزور. أما إذا كانت هذه المعلومات غير صحيحة، فإنها تندرج في إطار تضليل التحقيق، وتضليل التحقيق بدوره جناية يعاقب عليها القانون. فكيف سيتعاطى السيد نصرالله مع هذين السؤالين؟

3- إذا كانت محاكمة من يقف وراء شهود الزور ضرورة، فإن التثبت من وضع شهداء الزور أنفسهم وحقيقتهم يعتبر أولوية تسبق البحث عمن يقف وراءهم. وبالتالي فإن بعضا من هؤلاء الشهود موجود في سورية، وحتى الساعة لم يخضع للمحاكمة ولم تصدر في حقه أية أحكام. فكيف يمكن الحديث عن محرضين لشهود الزور، قبل إدانة شهود الزور أنفسهم؟ وإذا كانت المحكمة الدولية أعلنت عدم اختصاصها في ملاحقة هؤلاء الشهود، فلماذا لا تبادر سورية الى محاكمة هؤلاء الشهود أمام محاكمها، وتصدر في حقهم الأحكام التي يستحقون، ولماذا لا تحاكم من يقف وراءهم غيابيا إذا تعذر مثولهم أمام محاكمها وجاهيا؟ ولماذا الاكتفاء باستنابات قضائية في حق بعض الشخصيات اللبنانية، كجزء من الضغوطات السياسية، من دون متابعة الملاحقة قضائيا؟

4- لماذا يكشف السيد نصرالله عن المعلومات التي سيكشف عنها، عندما اعتبر أن التحقيق الدولي سيستهدف حزب الله، ولم يكشف عنها عندما كان يعتبر بأن التحقيق الدولي يستهدف سوريا؟ وهل اتهام سوريا "زورا" مسموح برأيه؟ وألا تستحق العلاقات والتحالفات الاستراتيجية بين حزب الله وسورية كشفا مسبقا لهذه المعلومات بما يخدم سورية؟ وعلى الأقل لماذا لم يطلع نصرالله السلطات السورية على هذه المعلومات يومها لتتمكن من الدفاع عن نفسها؟

5- لماذا وضع هذه المعلومات بتصرف الرأي العام اللبناني، وعدم وضعها قبل أسابيع قليلة بتصرف المحققين الدوليين الذين استمعوا الى عشرات من عناصر حزب الله وكوادره. وبالتالي لماذا المطالبة بلجنة لبنانية وزارية أو نيابية أو قضائية للتحقيق في هذه المعلومات بدل "إحراج" التحقيق الدولي بتزويده بهذه المعلومات؟

6- إذا كان حزب الله وحلفاؤه يعتبرون بأن جهات لبنانية أمنية وقضائية تجنت على الضباط الأربعة وأوقفتهم بلا مبرر، في حين أن المحكمة الدولية أفرجت عنهم بعد تسعة عشر يوما على قيامها وانتقالهم الى عهدتها، فكيف يعود الحزب للمطالبة بإعادة التحقيق الى جهات لبنانية؟ وهل يمكن لأي جهة لبنانية أن تستجوب إسرائيليين وتسائل قادة عسكريين وأمنيين وسياسيين في إسرائيل؟ وبالتالي كيف يمكن لتحقيق لبناني أن يصل إلى إثباتات وأدلة مقبولة دوليا وجنائيا على مسؤولية إسرائيل عن اغتيال الرئيس الحريري من خلال تحقيق عن بعد؟

7- إذا كان حزب الله يستند في هجمته على التحقيق الدولي الى توقيف بعض العاملين في قطاع الإتصالات بتهمة التعامل مع إسرائيل على خلفية اتهامهم من قبل الحزب، وليس من قبل القضاء اللبناني الذي يحقق معهم ويحاكمهم، بالتلاعب بجداول الإتصالات، فإن مثل هذه التهمة من شأنها أن توجه ضربة الى مصداقية كل التوقيفات التي تولتها الأجهزة اللبنانية، لأن التلاعب بجداول الإتصالات في مكان، يعني إمكان التلاعب في مكان آخر، وبالتالي فإن الأخذ بنظرية حزب الله يعني تبني فريق الدفاع عن المتهمين بالتعامل مع إسرائيل في لبنان نظرية حزب الله للتشكيك في الاتهامات الموجهة الى موكليهم، واعتبار ان اتهامهم جاء على أساس بيانات اتصالات مفبركة.

من هنا فإن الدائرين في فلك قوى 14 آذار يعتبرون أن ما يقدم عليه الأمين العام لحزب الله هو معركة سياسية وإعلامية، وليس معركة قضائية. لأن المعركة القضائية تستوجب السرية في التحقيق، كما تستوجب في المقابل السرية في التحضير للدفاع. وحزب الله يعرف هذه القاعدة جيدا في عمل المحاكم. وبالتالي فإن دحض الاتهامات يفترض بالساعين اليه إبقاء ما لديهم سريا لتفجيره أمام المحكمة، وإسقاط ما استند اليه الإدعاء العام في الاتهام، في حين أن كشفه مسبقا من شأنه لو كان صحيحا أن يساعد الإدعاء العام على كشف خطط خصومه في الدفاع.