عام مضى على الحرب الإرهابية الصهيونية على قطاع غزة، تلك الحرب التي أرادوا من خلالها تركيع حركات المقاومة وعلى رأسها «حماس» ومعاقبة أهالي القطاع على تأييدهم لهذه الحركات، ففشلوا فشلاً ذريعاً في ترويض القطاع وإرغامه على الاستسلام بالرغم من كل المآسي التي حلت بأهاليه والمتمثلة في قتل أكثر من 1500 إنسان (أكثرهم من النساء والأطفال العزل) وجرح حوالي 5400 إنسان (أكثرهم أصيبوا بإعاقات دائمة) وإصابة 22 ألف منزل ومبنى كلياً أو جزئياً، حسب تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، ولايزال أكثر الذين فقدوا منازلهم يعيشون في العراء.
عام مضى ولايزال الحصار مستمراً على أهالي القطاع تحت مرأى ومسمع ما يسمى بالعالم المتحضر والأمم المتحدة وأمينها العام، وقد أورد تقرير المنظمة الآثار الكارثية لاستمرار هذا الحصار منذ ثلاث سنوات تقريباً، حيث يعيش أكثر من 80% من سكان القطاع تحت خط الفقر، وتعطل أكثر من 140 ألف عامل عن العمل، وبلغت نسبة البطالة 65%، ويؤدي منع السفر للعلاج إلى وفاة مريض فلسطيني كل يوم (أكرر كل يوم)، ويعاني 60% من أطفال غزة سوء التغذية وفقر الدم، هذا إضافة إلى سلسلة من الأرقام القياسية في التلوث والفقر والمعاناة الإنسانية والأوضاع السيئة.وكأن كل هذا الحرمان لم يكن كافياً، إذ بدأت القاهرة إقامة جدار فولاذي عنصري لمنع تهريب السلع والأدوية وبقية مستلزمات الحياة من تحت الأنفاق وبحجة الحفاظ على الأمن القومي المصري! فأين الأمن القومي بينما يشرف رجال المخابرات الأجنبية على بناء هذا الجدار العنصري؟! وأين السيادة المصرية وأمنها القومي عندما يقول الرئيس المصري بأن من حق إسرائيل الاعتراض على انتقال الفلسطينيين عبر معبر رفح الذي يفصل مصر عن قطاع غزة؟!إن استخدام حجة الأمن القومي لتبرير بناء الجدار العنصري الجديد لا تنطلي حتى على البسطاء، فكلنا يعرف أن ما يراد من هذا الجدار هو قطع كل سبل الحياة عن غزة لإرغام قيادة «حماس» على الرضوخ للإملاءات الظالمة بعد أن فشلت الحرب الصهيونية في تغيير الواقع في القطاع. وللأسف ينفذ هذا السيناريو على أيدٍ عربية من المفترض أن تسخر أدواتها لمصلحة الفلسطينيين ومقاومتهم ضد الإرهاب الصهيوني لا لمصلحة الأجندة الاستسلامية للمشروع الصهيوأميركي في المنطقة!إن الأزمة النفسية التي تعانيها القاهرة لم تعد خافية على أحد، وسببها ركوب قطار الاستسلام وما يتطلبه هذا الخيار من لعب أدوار لا تصب في مصلحة الأمن القومي العربي ولا تحظى بأي شعبية على المستويين العربي والإسلامي. وما «النرفزة» والانفعال الواضحان لمسؤوليه والألفاظ التي يستخدمونها عبر المحطات الفضائية والإذاعات لتبرير هذا الجدار وتبرير إعاقة حركة قافلة شريان الحياة الأخيرة، إلا دليل واضح على هذه الأزمة النفسية. ولعل ما يعانيه الشعب المصري نتيجة سياسات حكومته من ألم لهو أكبر كثيراً لأنه لا يجسد نفس روح وخيار هذا الشعب الأبي وتاريخه في نصرة القضية الفلسطينية قبل معاهدة «كامب ديفيد» المشؤومة.
مقالات
جدار عنصري جديد
07-01-2010