"الصورة التي تراها تحددها الزاوية التي تنظر منها"

Ad

لا تنطبق هذه الحقيقة على كاتب في الكويت، كما تنطبق على الكاتبة والفنانة التشكيلية والأكاديمية الدكتورة عالية شعيب. ولسبب سأناقشه في ما يلي من المقالة آثرت أن أقدم الكاتبة على بقية الألقاب. وربما يعرف الأصدقاء والمقربون أن كتابتي عن عالية شعيب تفرض علي البقاء في إطار المقال، وتصعّب مهمة الخروج منه، للصداقة والزمالة الطويلة التي جمعتني بها لأكثر من عشرين عاماً بدأناها نتلمس الطريق للكتابة والنشر منذ مقاعد الدراسة. ولكن ذلك لا يمنع أن أجتهد في كوني مخلصاً لكتابتي عنها أكثر من إخلاصي لصداقتي لها.

عالية شعيب شخصية مثيرة للجدل، ويقف أصحاب الرأي منها موقفاً جامداً إما معها أو ضدها، وهي حالة عربية عامة وكويتية خاصة، ولو شاء قدر عالية أن توجد في ظرفها الزماني الحالي، وفي مكان آخر لربما كان ما تقوم به طبيعياً وصحياً جداً. فتنوع ممارساتها الأدبية والفنية والبحثية دليل عافية ذهنية لا دليل تيه كما يتصوره البعض. إنها تجربة حياتية ثرية ترفد خبرتها ككاتبة وإنسانة، ونجاحها هنا وإخفاقها هناك هما نتائج طبيعية لمن يعمل ويجرب. وعلينا ألا نخلط النجاح بالفشل، وأن نعرف الزاوية التي ننظر منها إلى الصورة التي نريد.  أشهر وأرق شعراء كندا "ليونارد كوين"، والحائز على جائزة الدولة يعزف ويغني، ويفصل النقاد بين إبداعه الشعري وهوايته. والدراسات التي يقدمها كبار النقاد في شعره لا تتداخل بشكل من الأشكال مع موهبته الأخرى. إنها الزاوية التي ينظر منها النقاد إليه كشاعر، وهي زاوية مختلفة عن تلك التي ينظر منها عشاق الموسيقى ونقادها.

للأسف ما حدث مع عالية هو العكس تماماً. فبعد حادثة المحاكمة الشهيرة تم التعامل معها بعيداً عن موهبتها الحقيقية ككاتبة، ولم تنل عالية ما تستحق ككاتبة نصوص من طراز فريد، وصاحبة قلم له بصمته التي تميزه عن بقية جيلها من الكتاب. لم يكن الخلل كامناً في الزاوية التي ينظر منها الناقد الى أدب عالية شعيب، بل في قدرة الناقد على النظر. ففي منتصف الثمانينيات قدمت عالية شعيب تجرية قصصية حملت لغة فاتنة حددت لها صوتها القصصي في مجموعة "امرأة تتزوج البحر" قبل أن تتجه الى كتابة النص المفتوح الذي توجته بمجموعتها الأكثر نضجاً "عطش"، وبين المجموعتين كنا ومازلنا نفتقد الناقد الباحث لا الناقد التسجيلي، أستثني هنا كتاب د. نجمة إدريس الأجنحة والشمس، واقتصرت لقاءات عالية شعيب الإعلامية على ما حدث حول كتاباتها لا حول جوهر كتاباتها.

قبل أيام قرأت لعالية شعيب نصاً بعنوان "مرتبكة كالبحيرة" في الزميلة "القبس"، وتحت النص إشارة إلى أنه نص من كتاب جديد لها بعنوان "اخرسي" سيصدر قريباً. ولن أقيس الكتاب على أحد نصوصه، ولكنني مطمئن الى أن عالية شعيب تتفوق على نفسها من عمل الى آخر، وأن صوتها ما زال حاداً كشفرة وربما حزيناً كطبل الجنازة، ولكنه قوي لم يتأثر، تزيده السنوات شباباً. لا تحتاج إلى أن تقرأ اسمها لتعرف أنها صاحبة هذه الصور:

"يتهيأ لي أني سافرت في دم العشب ذات فجر                  

صرت انعكاس الضوء في استدارة الندى

صرت الأزرق على جناح فراشة، تتكون، تتخلق

وما اتسع الكون لحبي

وما أدرك جنوني وهيامي بك"              

أتحاشى دائماً أن أستعمل صيغة أفعل التفضيل، ولكن يبقى صوت عالية شعيب أحد أهم الأصوات التي مارست الكتابة منذ بداياتها، بقدرة فائقة على التفرد لم تشبه أو تقلد أحداً، وليتها تخلص لهذه الكتابة على حساب اهتماماتها الأخرى.