خلافاً للتوقعات السابقة هناك الآن تقديرات مستجدة، برزت خلال الأيام القليلة الماضية، بأنه ستكون هناك ضربة عسكرية لإيران، ستكون إسرائيليةً على الأغلب، وأن هذه الضربة لن تكون تقليدية على غرار غزو العراق وما سبقه بل جراحية تستهدف المنشآت النووية الرئيسية، وربما كان هذا هو الذي دفع الأميركيين إلى بذل جهود مضنية علنية وسرية لتحقيق اختراق ولو محدوداً بالنسبة إلى المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية المتوقفة.

Ad

المنطق يقول إن الأميركيين سيرتكبون حماقة قاتلة إن هم قاموا بهذه الضربة أو تركوا إسرائيل تقوم بها بدعم عملياتي منهم، فهناك الآن صراع محتدم في إيران بين المحافظين والإصلاحيين الذين تزداد رقعتهم الشعبية يوماً بعد يوم، ولذلك حتى يأخذ هذا الصراع أبعاداً حقيقية ولا يُجهَض بعمل خارجي يَفرِض على الأطراف المتصارعة التوحد لمواجهة ما سيعتبرونه استهدافاً لدولتهم لا لنظامهم، فإنه يجب استبعاد أي عمل عسكري نهائياً، ويجب أن يتواصل التركيز على سلاح العقوبات الذي إن هو لم يثبت فعاليته حتى الآن فإنه سيثبت هذه الفعالية في النهاية.

ثم بالإضافة إلى هذا المبرر الذي يَفرض ضرورة استبعاد الضربة العسكرية على المدى المنظور على الأقل، فإن على الأميركيين أن يأخذوا بعين الاعتبار أن هذه المنطقة تعاني الكثيرَ من بؤر التوتر وأنها قابلة للاشتعال أكثر مما هي مشتعلة، وأنها إن اشتعلت فستحلُّ كارثة فعلية وحقيقية بالمصالح الحيوية الأميركية، وأن «القاعدة» ستتمدد نحو دول جديدة، وستصبح جزءاً من الحياة اليومية لدول الشرق الأوسط كلها، وعندها فإن صراع الولايات المتحدة ومعها كل العالم الغربي سيشتد ويصبح عصيّاً على المعالجة الموضعية كما هو الحال في اليمن والصومال والعراق وأفغانستان وباكستان. إنه ضروري أن يكون هناك اختراق فعلي على جبهة عملية السلام المتوقفة، لكن هذا يجب أن يكون في إطاره الشمولي وليس تمهيداً لضربة عسكرية لإيران، فبقاء القضية الفلسطينية عالقة في عنق الزجاجة على هذا النحو يوفر كل المبررات التي يريدها الإرهابيون لتبرير حتى استهداف طائرات الركاب والناس العاديين والأطفال والنساء، ثم إنه آن الأوان لتستريح هذه المنطقة ويستريح العالم من هذا الصراع الذي طال أكثر كثيراً من اللزوم، كما أنه آن الأوان لتنتهي مأساة الشعب الفلسطيني ويقيم هذا الشعب دولته المستقلة ويمارس حياته الطبيعية بعيداً عن حمامات الدماء والمآسي والحروب مثله مثل كل شعوب الكرة الأرضية.

لن تخدم هذه الضربة التي ازداد الهمس حولها في الأيام الأخيرة سوى إسرائيل التي تريد الهروب من استحقاقات عملية السلام، ومن بينها الضغط الدولي المتواصل، وسوى محمود أحمدي نجاد الذي بات يشعر أن نهايته باتت قريبة، والذي يعتقد ومعه الحق كله أنه لا خلاص من أزمته الداخلية المستفحلة سوى أن يطرأ عامل خارجي يوحِّد الإيرانيين ويُلزم الإصلاحيين تأجيلَ معركتهم معه والتفرغ لمواجهة الأخطار الخارجية، ولهذا فإنه يجب أخذ التصريح الأخير الذي أطلقه في الحسبان والذي تحدث فيه عن أن إمكان الحصول على اليورانيوم المخصب غدا مسألة أيام قليلة.

ربما كان هذا تشاؤماً أكثر من اللزوم، لكن حتى إن كان كذلك فإن على العرب أن يفتحوا عيونهم جيداً، وعليهم أن يفكروا معاً بصورة جماعية في كيفية التصرف إن بادر الإسرائيليون أو الأميركيون إلى القيام بهذه الضربة التي إن هي نُفِّذت بالفعل فإنها ستقلب الأوضاع رأساً على عقب في هذه المنطقة كلها لا في دولة واحدة.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة