دراما الشحاذين
منذ فترة طويلة لم أشاهد أي عمل مسرحي، سواء كان عربياً أو خليجياً، وفي الأسبوع الماضي ذهبت إلى مسرح الدسمة لحضور احتفالية يوم المسرح العالمي، ومقابلة الأصدقاء، ومتابعة المسرح الكويتي من باب الفضول، وكان العرض المسرحي «دراما الشحاذين» عرضاً مفاجئاً لي، وبصراحة أدهشتني القفزة النوعية فيه، فلأول مرة أشاهد مسرحية للشباب، يكون فيها النص محكماً ومتماسكاً من أي «مطمطة» أو تطويل في التعامل مع أيديولوجيات لا مكان لها في حياة العرض، وذلك يعود إلى النص الجميل الذي كتبه المؤلف بدر محارب، بمهارة وبتركيز محدد للنقاط التي يريد طرحها بمرور سريع، ومن دون إطالة في الشرح أو بديباجات بلا معنى، لقد ذهب مباشرة إلى قلب الحدث، وهو هؤلاء المتشردون وصراعاتهم على المأوى والمأكل والمرأة، مع انضمام لص هارب إليهم، وشرطي ملاحق له، وهنا تتداخل مطاردة الشرطي مع حركة النص، إذ يلعب المؤلف بعدة مواقف متداخلة بعضها مع بعض في تقنيات نصية تتلاعب في المواقف والأحداث، فمن صراعهم على المكان، ومن مطاردة الشرطي لهم، وإيهامهم له بأنهم فرقة مسرحية تجري بروفتها بعيداً عن مطاردة الأضواء لهم، ويشاركهم الشرطي اللعب الذي يستمر فيه حتى بعد تحول التمثيل إلى عراك حقيقي ينتهي بموت المرأة بينهم.
نجد أن محارب قد أدخل في نصه عدة ألعاب مسرحية كلها تجري في آن واحد في مشهد طويل مفتوح تتداخل فيه حكايات عديدة، مما أضفى حيوية وتوتراً، وسرعة في الأداء المسرحي، مما لم يترك مجالاً للملل والفتور. بدر محارب مؤلف موهوب بطاقة كبيرة وواعدة، وإن كنت أتمنى لو أنه يعمل على تكويت نصوصه، فمحلية النص تحببه وتقربه إلى المشاهد بدلاً من تغريبه في أمكنة وأسماء وأزمنة مجهولة.وقد جاء الإخراج مناسباً تماماً لسرعة النص وتوتره، فقد تطابق المخرج مع روح النص، مما ولد لنا عملاً متقناً ومتكاملاً وسريعاً في إيقاعه، كما أنه أدار الممثلين بجدارة، وتمكن من شغل فضاء المسرح كله بحركتهم. وهذه أول مرة أشاهد فيها عملاً من إخراج المخرج الشاب عبدالعزيز صفر، الذي تفوق في إخراجه لهذا العمل.واكتمل هذا النص المسرحي بالأداء المتميز لمجموعة الممثلين الشباب الذين أتقن كل منهم دوره في خفة ورشاقة وبطواعية جسد لم أشاهدها من قبل في أداء الممثل الكويتي. وقد تميز كل منهم بهذه المرونة، وهذه القدرة على التحرك بليونة ويسر على الخشبة، وللأسف كل الممثلين الموهوبين في الكويت يفقدون بوصلة طريقهم الصحيحة من بعد تخرجهم في المعهد، وتضيع موهبتهم في المسارح التجارية وفي المحطات الفضائية الاستهلاكية، لأنه لا توجد لدينا مسارح تضاهي المسارح الإنكليزية أو مسارح برودواي التي تتلقف أفواج الموهوبين في كل عام حال تخرجهم في المعاهد والكليات الفنية.وقد أجاد كل من نوار القريني، وعبدالعزيز بهبهاني، وميثم بدر، ورشا فاروق، وعلي الحسيني، وإبراهيم الشيخلي الذي تميز بشكل لافت بأدائه، خاصة عندما دخل في دور هاملت العبيط، هذا الممثل خامة جديدة في نوعية الكاريكاتير الفني، شخصية جديدة تماماً في روحها.وأخيراً هذه المسرحية المتميزة يراد لها تحسين توزيع اللعب بالإضاءة، لأنها كانت «فلات» مسطحة معظم الوقت.وكذلك التوزيع الموسيقي في حاجة إلى مصاحبة التغير في الحالات النفسية المتداخلة في تقنيات العرض المسرحي، لتتدرج ما بين الانخفاض والارتفاع بتنويعات مختلفة حتى تساعد في إحداث التأثير المطلوب.