لمَ لم تضرب إسرائيل إيران حتى الآن؟
قد تقرر إسرائيل ضرب إيران إذا ما اقتنعت أنه ما عاد أمامها خيار آخر، تماماً كما حدث قبل نكسة 1967، ولكن سيكون هامش الخطأ التكتيكي المتاح أمامها محدوداً جداً، خصوصاً أن الهجوم سيتطلب أياماً لا ساعات، وستكون المخاطر السياسية التي تواجهها مهولة.
لمَ لم تضرب إسرائيل إيران حتى الآن؟ غالباً ما يطرح علي هذا السؤال أناسٌ يخالون أنني أستطيع قراءة أفكار بنيامين نتنياهو، لكنني في الواقع لا أستطيع، وقد ظننت لفترة طويلة أن إسرائيل ستضرب إيران خلال الأشهر الستة الأولى من هذه السنة، وبما أنها لم تفعل، فحري بنا أن نفكر في أسباب ذلك!أولاً، دعوني أذكر الأسباب التي دفعتني إلى التفكير بهذه الطريقة: في ربيع عام 2008، كثرت التخمينات عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إيهود أولمرت، كان يفكّر بجدية في ضرب إيران بعد أن انتهى لتوه من تنفيذ هجوم على مفاعل نووي سوري سري، ولم يكن قد بقي سوى أشهر قليلة من عهد الرئيس بوش، الذي اعتقد الإسرائيليون أنه سيؤمن لهم الغطاء الدبلوماسي واللوجستي الضروريين لتنفيذ اعتداء مماثل، خصوصاً في حال خرجت الأمور عن السيطرة، فضلاً عن ذلك، عنى صدور التقييم الاستخباراتي القومي الأميركي لشهر ديسمبر عام 2007، الذي أكّد (وكان مغلوطاً، حسبما نعلم جميعنا) أن إيران أوقفت جهودها لتطوير أسلحة نووية، أن من المستبعد أن تهاجم الولايات المتحدة إيران.
في النهاية، أدرك المخططون الإسرائيليون أنهم كلما أرجؤوا ضرب إيران، واجهوا صعوبة أكبر في تحقيق نتائج تُذكر من خلال هذه الضربة، فستحظى إيران بوقت أطول لتحصن منشآتها، تعزز دفاعاتها، وتفرّق موادها النووية.إذن، لمَ لم تتحرك إسرائيل حينذاك وفق هذه المعطيات؟ ثمة أسباب عدة، لكن أهمها هو أن أولمرت اعتقد أن توجيه ضربة إسرائيلية إلى إيران مغامرة كبرى، وأن من التهور تنفيذ هذه الضربة قبل استنفاد كل الأساليب الدبلوماسية والسياسية والسرية لوقف سعي إيران النووي. ثم جاء أوباما وطرح عرضه للتفاوض مع طهران، محدداً مهلة زمنية لذلك، بعدئذٍ، اهتزت إيران بسبب اضطرابات ما بعد الانتخابات، التي عززت لفترة وجيزة احتمال تقويض النظام الإيراني من الداخل.بحلول نهاية السنة الماضية، اتضح أن كلا هذين الأملين في غير محله، وبدا جلياً أن العقوبات المحدودة التي كانت تدرسها إدارة أوباما لن تردع إيران وتحملها على التخلي عن مساعيها النووية. وقد تبيّن أيضاً أن هذه المساعي ستثمر عما قريب، كذلك ظهر بوضوح أن الإدارة الأميركية مترددة في اتخاذ خطوات عسكرية بمفردها.أقنعتني كل هذه التطورات، بعد أن وثقت عن حق بدبلوماسية أوباما، أن إسرائيل ستوجه ضربة إلى إيران في القريب العاجل، بعد أن يتبوأ نتنياهو الأكثر تشدداً زمام السلطة، لكنني كنت على خطأ.وما السبب؟ إليكم أربع نظريات مدرجة من الأقل إلى الأكثر أهميةً واحتمالاً.تُرجّح النظرية الأولى أن المخططين العسكريين الإسرائيليين استخلصوا أن احتمال نجاح الضربة العسكرية ضعيف (أو أن نجاحها سيكون مكلفاً)، وهذا ممكن، إلا أن هذا التحليل يخفق في تقدير مدى عمق المخاوف الإسرائيلية من دولة إيرانية نووية والجهود التي تبدو إسرائيل مستعدة لبذلها بغية وضع حد للمساعي الإيرانية النووية. صحيح أن تسديد ضربة ناجحة إلى إيران سيتطلب من إسرائيل تخطي مقدراتها العسكرية، بيد أن كبار القادة العسكريين والسياسيين الإسرائيليين يصرون على أن إسرائيل قادرة على ذلك. تفيد النظرية الثانية أن إسرائيل تنتظر ما يحمله المستقبل من تطورات، محسّنةً في الوقت عينه قدراتها العسكرية الهجومية والدفاعية، فقد أنهت إسرائيل قبل أيام اختبار درعها الصاروخية الدفاعية، القبة الحديدية، المصممة لصد الصواريخ القصيرة المدى، مثل تلك التي قد تستخدمها "حماس" و"حزب الله" للرد على توجيه ضربة إسرائيلية إلى إيران، وسيوضع هذا النظام قيد العمل في شهر نوفمبر. كذلك تدرس إسرائيل احتمال شراء نوع شبه خفي من طائرات اف-15، كبديل لطائرات اف-35 الأكثر كلفة، التي تأجل تسليمها حتى عام 2015، ولا شك أن ما تقرره إسرائيل في هذه المسألة سيكون مؤشراً واضحاً إلى ما تنوي فعله.تتمحور النظرية الثالثة حول التفاعلات الداخلية في السياسة الإسرائيلية، قد يفضل نتنياهو توجيه ضربة إلى إيران، إلا أنه لن يأمر بتنفيذها من دون موافقة وزير الدفاع إيهود باراك، والرئيس شيمون بيريز، ورئيس هيئة الأركان غابي أشكنازي، وربما أيضاً رئيس الموساد مئير داغان، ويُقال إن هذه الحكومة الداخلية تعارض كلها تسديد ضربة لإيران، باستثناء باراك على الأرجح، ولكن من المقرر أن يتنحى أشكنازي وداغان عن منصبيهما خلال أشهر قليلة. ولا شك أن هوية الشخصين اللذين سيختارهما نتنياهو ليستلما هذين المنصبين سترتبط بموقف الحكومة من ضرب إيران.في النهاية، تعلّم القادة الإسرائيليون دروساً كثيرة من التاريخ، لننسَ المقارنات التقليدية للضربة العسكرية المحتملة ضد إيران مع تدمير إسرائيل السريع والناجح لمفاعل أوزيراك العراقي عام 1981. ذكّرني مايكل دوران، باحث في شؤون الشرق الأوسط في جامعة نيويورك، أن قادة إسرائيل متنبهون جيداً على الأرجح لدروس حرب السويس عام 1956، فقد اصطدمت آنذاك عملية عسكرية ناجحة شنتها بريطانيا وفرنسا وإسرائيل لإذلال الرئيس المصري جمال عبدالناصر (الذي يشبه بطرق عدة محمود أحمدي نجاد اليوم) بمعارضة إدارة أيزنهاور السياسية العنيدة، فقد ظنت هذه الإدارة أنها قد تلقى حظوة عند العرب بإبعادها نفسها على نحو واضح عن إسرائيل وحلفائها الأوروبيين التقليديين. ألا يبدو لكم ذلك مألوفاً؟يكثر الكلام اليوم عن أن إدارة أوباما تعيد على الأرجح النظر في خياراتها العسكرية ضد إيران. لنأمل ذلك، قد تقرر إسرائيل في النهاية ضرب إيران ما إن تقتنع أنه ما عاد أمامها خيار آخر، تماماً كما حدث قبل حرب الأيام الستة (نكسة 1967)، ولكن سيكون هامش الخطأ التكتيكي المتاح أمامها محدوداً جداً، خصوصاً أن الهجوم الناجح سيتطلب أياماً لا ساعات، كذلك ستكون المخاطر السياسية التي تواجهها مهولة. وكما أشار دوران، كان بإمكانها في عام 1956 الاعتماد على الدعم الدبلوماسي لعضوين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أما اليوم، فقد أصبحت الولايات المتحدة آخر أصدقائها المهمين،وهذا موقف لا تحسد عليه، لذلك على أصدقاء إسرائيل في الخارج أن يعفوها من الوعظ السهل... ففي النهاية، لا تُعتبر إيران مشكلة إسرائيل وحدها، لذلك يجب ألا يترتب على إسرائيل حلها بمفردها، متحملةً كل هذه المخاطر الكبيرة.* بريت ستيفنز | Bret Stephens