طرح التصويت في مجلس الأمن، يوم الأربعاء، على قرار تشديد العقوبات على إيران- حصد القرار 12 صوتاً مؤيداً وصوتين معارضين- معضلة حقيقية: كيف يمكن لإدارةٍ، حاولت في البداية التواصل مع إيران ثم أمضت أشهراً عدة في العمل مع حلفائها، أن تحصد في نهاية المطاف وحدة دولية أقل مستوى عن تلك التي كانت سائدة في عهد جورج بوش الابن؟

Ad

رفض بوش التواصل مع إيران، واعتبر الكثيرون أنّ إدارته كانت تتصرف بشكل أحادي الجانب في الشؤون الدولية، وكان جون ر. بولتون أحد سفرائه إلى الأمم المتحدة، وقد اشتهر بقوله إنه أراد إلغاء 10 طوابق من مبنى مقرّ الأمم المتحدة، لكن لم يحصل أي قرار متعلق بإيران في مجلس الأمن على صوت معارض واحد في عهد بوش.

في المقابل، اعتبر الرئيس أوباما أنّ اعتماد سياسة التواصل منذ البداية سيقنع إيران بالتفاوض جدياً، وفي حال عدم حصول ذلك، سيبرهن الأمر أنّ طهران هي أصل المشكلة، لا واشنطن، لكن صوّتت تركيا، حليفة منظمة حلف شمال الأطلسي، والبرازيل، قوة إقليمية كبرى، ضد القرار الصادر يوم الأربعاء. أما لبنان، أحد المستفيدين من المساعدات الأميركية، فقد امتنع عن التصويت.

لماذا؟

يعود ذلك جزئياً إلى تغيّر الزمن، إذ خاضت تركيا والبرازيل مبادراتهما الدبلوماسية الخاصة مع إيران في الأشهر الأخيرة، فضلاً عن ذلك، يُعتبر نظام العقوبات الذي روّجت له الولايات المتحدة أكثر عدائية من التدابير السابقة، بما في ذلك خطوات مثل حظر بيع الأسلحة التقليدية، وفرض حظر على عدد من الاستثمارات النووية والصاروخية في الخارج، واتخاذ تدابير قد تعيق نشاطات إيران المصرفية وعملياتها في مجال الشحن وقد تضع حدّاً للدور المتنامي الذي يؤديه الحرس الثوري الإسلامي في مجال نشاطات التخصيب.

كذلك، ذكر المسؤولون أنّ البرازيل وتركيا سيُلزَمان بالتقيّد بهذه العقوبات على الرغم من معارضتهما للقرار، ما يعني أنّ إيران ستواجه ضغوطاً دولية.

صرّح مسؤولون أميركيون أنّ قرارات بوش فشلت في وقف الدفع الإيراني نحو الحصول على أسلحة نووية، وأنّ هذا القرار يحمل على الأقل احتمال فرض ضغوط جديدة على طهران. وأضافوا أنّ الالتزام الدبلوماسي الذي طبّقته الإدارة يفتح المجال أمام إجراء محادثات لحلّ الخلاف، في حين أدى امتناع بوش عن تطبيق سياسة التواصل إلى طريق مسدود. يضيف المسؤولون الأميركيون أنّ كسب تأييد روسيا والصين يشكّل إنجازاً مهماً، علماً أنّ البلدين كانا يشكّان باحتمال فرض عقوبات جديدة حين تولى أوباما الحكم. على صعيد آخر، كان ملفتاً قرار لبنان، أحد حلفاء إيران، بالامتناع عن التصويت بدل التصويت مباشرةً ضد قرار العقوبات.

صرّحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، أثناء سفرتها إلى أميركا اللاتينية، أمام المراسلين هنا أنّ جهود الإدارة الأميركية في التواصل هي التي أدت إلى التصويت الإيجابي.

قالت كلينتون: "حين بدأت مساعينا، لم يكن المجتمع الدولي متلهّفاً لفرض ضغوط إضافية على شكل عقوبات على إيران". كانت جهود التواصل "صعبة سياسياً"، لكنها برهنت أنّ الولايات المتحدة كانت جدية في مساعيها الدبلوماسية، حين أقنعت روسيا والصين بالانضمام إلى مؤيدي قرار العقوبات.

أضافت كلينتون أنّ العقوبات الجديدة ستسهّل عملية إبطاء برنامج إيران النووي والتدخل الدولي في الشأن الإيراني في هذه الفترة، بما أنّ الهدف الأساسي يقضي بمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية. ووصفت كلينتون الإدارة الأميركية بعبارة "منفتحة على الدبلوماسية الفاعلة" التي قد تشمل ضمّ دول مثل البرازيل وتركيا إلى طاولة المفاوضات.

يقول نقّاد الإدارة الأميركية إنّ النتيجة الحذرة في تصويت مجلس الأمن تنجم عن ضعف الولايات المتحدة في الدبلوماسية الدولية، في حين يرى المدافعون عنها أنّ أوباما ورث بلداً ضعيفاً من عهد بوش.

قال إليوت أبرامز، نائب مستشار أمني في عهد بوش: "من المثير للسخرية أن يتمتّع بوش بسجلّ أفضل من أوباما في الأمم المتحدة، فقد صوّت مجلس الأمن بالإجماع في أيام بوش، لكنّ أوباما فقد السيطرة على الأمور". برأيه، لا يعود ذلك إلى تحسّن السلوك الإيراني لأنّ "الوقت يداهمنا، وتقترب إيران تدريجاً من تصنيع قنبلة". يقول أبرامز إن السبب في ذلك يعود ببساطة إلى أنّ الضعف الأميركي ولّد فراغاً معيناً، وتحاول دول أخرى سدّ ذلك الفراغ".

يرى بولتون أنّ تصميم الإدارة الأميركية على العمل داخل منظومة الأمم المتحدة جعلها في موقف ضعيف على طاولة المفاوضات: "يدرك الجميع أنّ إدارة أوباما تحتلّ مكانة مفصلية في المجلس، ما يجعلها في موقع ضعف على طاولة المفاوضات. ما يحدث اليوم هو حصيلة الضعف".

لكن قال مارتن إنديك، نائب رئيس قسم الدراسات في السياسة الخارجية في معهد بروكينغز، إنّ الأصوات المعارِضة "نجمت عن تحوّلٍ في المزاج الدولي، ويعود ذلك جزئياً إلى سياسات بوش التي أضعفت النفوذ الأميركي حين كان في ذروته، ما سمح للقوى الإقليمية بالنشوء وتطوير طموحاتها ونزعتها الاستقلالية".

أضاف إنديك أنّ إقدام روسيا والصين- بلدان من بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والتي تتمتع بحق النقض- على تأييد فرض عقوبات جديدة "من شأنه التأكيد على الإنجاز المهمّ الذي حققته إدارة أوباما في الحفاظ على إجماع الدول الخمس الدائمة العضوية في حقبة جديدة لم تعد الولايات المتحدة فيها قادرة على التحكم بالنتائج".

برأي مارك هيبز، خبير في الشؤون النووية في معهد كارنيغي للسلام الدولي، "يفيد التصويت على قرار العقوبات في ملاحظة استمرار عملية شحن المجتمع الدولي ضد إيران"، وذكر أنّ الدول غير الحليفة رفضت دعم إيران خلال مؤتمر التقييم الأخير الخاص بمعاهدة حظر الانتشار النووي وأنّ الأصوات المعارِضة التي أدلت بها البرازيل وتركيا يوم الأربعاء كانت متوقعة.

قال هيبز: "اليوم، تشير جميع هذه التطورات على ما يبدو إلى أنّ إيران لا يمكنها أن تعتمد على دعم الدول غير الحليفة عند اتخاذ القرارات الحاسمة".

قال مارك فيتزباتريك من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن: "من الواضح أنّ موقف العالم ليس موحّداً بشأن معارضة وضع إيران النووي. لكن لن يخفي ذلك واقع أنّ الدبلوماسية الإيرانية مع البرازيل وتركيا لم تستطع تجنب عقوبات مجلس الأمن الجديدة أو فصل الصين وروسيا عن الجماعة التي تقودها الولايات المتحدة".

لكن استلزم الإدارة 16 شهراً لبلوغ هذه المرحلة، وقد أقدمت إيران خلالها على زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصّب، حتى أنها بدأت بعمليات تخصيب على مستويات أعلى. في غضون ذلك، وجّه أوباما رسالتين إلى القائد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، وحاول جاهداً كسب موافقة إيران على تدبير بناء الثقة بين الطرفين. كذلك، كشفت الإدارة عن وجود منشأة إيرانية سرية بالقرب من مدينة قُم، وهي تدل برأيها على الطريقة التي كانت تعتمدها إيران لخداع العالم بشأن طموحاتها النووية.   

لم تكن هذه المعلومات مهمة بالنسبة إلى المجلس. في الواقع، اتبعت تركيا والبرازيل تدبير بناء الثقة الذي وضعته الإدارة- وهو عبارة عن تبادل للمواد النووية مقابل مفاعل أبحاث طبي إيراني- وجددتا التزامهما به في الشهر الماضي وسط اعتراضات أميركية. في هذه الحالة، ربما ارتدّ أحد جهود الإدارة الأميركية في التواصل عكسياً. لكن يقول مسؤولون في الإدارة إنّ هذه النتائج الفوضوية تنجم أحياناً عن ذكاء دبلوماسي.

ربما كانت الإدارة الأميركية ستحقق النتائج نفسها- أو أفضل منها- لو أنها قررت فرض عقوبات جديدة في السنة الماضية. البرازيل ولبنان هما عضوان جديدان في المجلس هذا العام. حلّت البرازيل محلّ كوستاريكا، وهو أمر مُرضٍ بالنسبة إلى الأميركيين. أما لبنان، فقد حلّ مكان ليبيا التي دعمت قرار العقوبات على إيران عام 2008. تشمل الحكومة اللبنانية أعضاء من "حزب الله" الذي تربطه علاقات وثيقة بإيران، وكان من المتوقع أن يعارض لبنان القرار، لكن ربما كان موقفه ليتغيّر عبر اتصال هاتفي من كلينتون للرئيس اللبناني ميشال سليمان في صباح الأربعاء.

يصرّ المسؤولون الأميركيون على أنّ التصويت في الأمم المتحدة يمثّل المرحلة الأولى من اتساع شبكة العقوبات التي سيفرضها الاتحاد الأوروبي وأطراف أخرى. لكن ما لم تنضمّ الصين جدياً إلى المساعي المبذولة، قد يعني ذلك أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها تفتح المجال أمام إيران لتوسيع استثماراتها مع الصين.

كذلك، تهدف العقوبات ببساطة إلى إرجاع إيران إلى طاولة المفاوضات. طوال سنوات، نجحت إيران في تخطي جميع الضغوط التي تدفعها إلى التفاوض بشأن برنامجها النووي، وقد يشجّعها صوتا تركيا والبرازيل المعارِضتين في الإصرار على موقفهما.