ما قل ودل: قانون الغرفة عام 1959... قانون سبق عصره
في اجتماع الجمعية العمومية لغرفة تجارة الكويت المنعقد في يوم الأربعاء 24 مارس الجاري، تساءل السيد مرزوق الغانم رئيس الغرفة، لماذا هذا الاندفاع السياسي في صياغة تشريع تنظيمي لمؤسسة مهنية أقصى درجات سلطتها تقديم المشورة؟ ولماذا التعامل مع الأمر بهذا الانفعال، وبهذا التسرع والاستعجال على حساب سلامة التشريع ورصانته وصحة صياغته؟ويقول "أبو المرزوق" في خطابه الذي ألقاه في هذا الاجتماع: "وبصرف النظر عن تقييم البعض له، فإن 50 عاماً ونيفاً، حققت خلالها الغرفة نجاحات باهرة فما الضرر إذن؟ وأين المشكلة في استمراره أشهراً قليلة أخرى؟".
ويضيف رئيس الغرفة إلى ذلك بأن أصحاب الرأي القائل بعدم وجود قانون صحيح للغرفة يرددون دائماً أنهم اكتشفوا هذا الغياب التشريعي، منذ أكثر من 12 عاماً فلماذا لم يتقدموا بمقترحاتهم طوال هذه المدة؟ ولماذا الآن بالذات؟ وأين المشكلة في أن يمتد هذا "الغياب التشريعي" المزعوم أشهراً قليلة لصياغة تشريع حديث ينسجم مع قانون الغرفة في المرحلة التنموية المقبلة؟وكانت لجنة الشؤون التشريعية والقانونية قد وافقت على اقتراح بقانون قدمه بعض الأعضاء، من حيث الفكرة التي يقوم عليها في جلسة واحدة، بالرغم من أن عدد مواده يربو على ستين مادة، وأنها ناقشت مع هذا الاقتراح اقتراحات أخرى كانت واردة على جدول أعمالها في هذه الجلسة. وللإنصاف، فإن اللجنة كانت من الفطنة والحكمة عندما لم تقحم نفسها في الدرب الصعب الذي وقع فيه من أنكروا قيام قانون للغرفة. ونؤكد ما قلناه في مقالنا المنشور على صفحات هذه الجريدة على حلقتين يومي 17 و18 من فبراير الماضي، من أن قانون الغرفة، وقد نشر في الجريدة الرسمية، في عددها رقم 229 الصادر بتاريخ 28/6/1959، قد أصبح قانوناَ من قوانين الدولة السابقة لصدور الدستور، والتي شملها الدستور بعباءته، فنص في المادة (180) على استمرار العمل بها إلى أن تعدل أو تلغى، وعلى أن إنكار صدور هذا القانون من الأمير والذي كان يجمع كل السلطات في يديه قبل صدور الدستور، لا يكون إلا بطريق الطعن بتزوير وقع في الجريدة الرسمية، وهو طعن لم يقدمه أحدٌ خلال ما يزيد على نصف قرن، لأنه طعن محكوم عليه بالفشل، بالرغم من خلو النشر في الجريدة الرسمية من بعض البيانات الشكلية التي ترد عادة مع القوانين، والتي تأمر بنشر القانون في الجريدة الرسمية والعمل به، وقد تحققت الغاية من هذه البيانات بنشر القانون بالفعل، والعمل به مدة نصف قرن، دون أن ينكر صاحب السمو أمير البلاد المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح صدور هذا القانون منه، بل دون أن تنكره أي سلطة من السلطات الدستورية الثلاث التي تعاملت مع الغرفة وفقاً لقانونها، واعترفت بها في قوانين صادرة بعد ذلك.ولهذا أتفق مع رئيس الغرفة، في أن الأمر لم يكن يتطلب التسرع في تقديم هذا الاقتراح وإقراره من اللجنة التشريعية والقانونية بمجلس الأمة، أو بإقرار مجلس الوزراء لمشروع قانون بديل، سوف يصدر مرسوم بإحالته إلى المجلس.وأضيف إلى ذلك بأن الأمر لم يكن يتطلب تنقيحاً شاملاً لقانون الغرفة، بل تعديلاً لبعض نصوصه سداً للذرائع.وأقيم هذا الرأي على ما لمسته من قراءتي المتأنية لقانون الغرفة الصادر عام 1959، من أنه قد توافرت له كل مقومات القانون ومعالمه وخصائصه مشتملاً على بناء تشريعي متكامل صيغ بمهنية وحرفية كاملة، وبُوِّب تبويباً علمياً أكثر اتساقاً وإحكاماً من الصياغة التي ترد في بعض القوانين الحديثة في عالمنا العربي. وهو قانون سبق عصره بالنظريات التي جسدها، ولم يكن للناس عهد بها وقت صدوره، كما لم يكن لها من الشيوع والانتشار الذي أصبحت عليه الآن، وعلى سبيل المثال لا الحصر أسوق ما يلي:أولاً: أن إنشاء الغرفة، وقيامها بالقانون الصادر 1959 على أساس الانتخاب وحده مع استبعاد التعيين في مجلس إدارتها، كان تجسيداً لفكر مستنير لحاكم البلاد الذي أصدر هذا القانون الذي جعل إدارة شؤون الغرفة بين أيدي رجالها المنتخبين من جمعياتها العامة، وهو منحى لم يصل إليه تكوين السلطة التشريعية ذاتها التي خرجت من رحم دستور الكويت عام 1962، حيث يضم مجلس الأمة أعضاءً بطريق التعيين، وهم الوزراء الذين يمثلون ثلث أعضاء مجلس الأمة المنتخبين. ثانياً: كما اعترف قانون الغرفة، لها بالشخصية الاعتبارية، باعتبارها كياناً قانونياً ذاتياً مستقلاً عن الأشخاص الذين ينتسبون إليها، يمثلها رئيس الغرفة أمام القضاء وأمام الآخرين لتتمتع بالحقوق التي قررها لها من حق التملك، وحق التصرف بالشراء والبيع، وحق التقاضي، وعقد القروض، وقبول التبرعات والهبات، في حدود الأهداف التي أنشئت من أجلها، لما تمثله الغرفة من قيمة اقتصادية واجتماعية، في دورها الرائد في التنمية وتنظيم المصالح التجارية والصناعية وتطويرها والعمل على ترقيتها.وجدير بالذكر أن الشخصية الاعتبارية، لم تكن معروفة في فقه الشريعة الإسلامية الذي كان مطبقاً في الكويت من خلال مجلة الأحكام العدلية، إلا بالنسبة إلى الوقف الخيري.ثالثا: أن قانون سنة 1959، كان الأسبق في الاعتراف بمنظمات المجتمع المدني القائمة على التمثيل المهني باعتبارها مشروعات خاصة تفي بحاجات ذات نفع عام، وغايتها في ذلك تحقيق المصلحة العامة، بالنسبة إلى المهنة التي تمثلها، وهو ما يضفي على المشروع الذي تمثله هذه الجماعات صفة المرفق العام، بالرغم من أنها تتكون عادة من مجموعة من الأفراد الذين ينتسبون إلى المهنة، وينتخبون فيما بينهم مجلساً يمثلهم.وقد سبق هذا القانون قانون جمعيات النفع العام الصادر عام 1962 بخمس سنوات.رابعاً: أن قانون سنة 1959، سجل من بين ما سجله نظرية التزام المرفق العام، الذي يمنح هذا الالتزام للمؤسسات الخاصة بقانون، فكان الأسبق من الدستور في إقرار المبدأ الدستوري الذي تبنته المادة (152) من الدستور فيما نصت عليه من أن كل التزام بمرفق عام لا يكون إلا بقانون.خامسا: أن قانون سنة 1959، في تحصيله لنظرية التزام المرفق العام قد أخذ، بما تأخذ به تشريعات الدول المتقدمة، من الاعتراف للملتزم بالمرفق العام، ببعض صلاحيات السلطة العامة، ومن بينها حقها في فرض رسوم على الخدمات التي تؤديها للمنتفعين بها.وأن قانون سنة 1959، كان أسبق من الدستور في تقرير المبدأ الدستوري، القاضي في المادة (134) أن يكون فرض الرسوم بناء على قانون.وهو ما يطرح سؤالاً حول ما الجديد في التنقيح الشامل لقانون الغرفة؟... وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.