«أستطيع أن أعيش شهرين... على كلمة إطراء طيبة»... مارك توين.

Ad

***

كان الشاعر الأميركي «تشارلز هانسون» يحكي لصديقه عن حادثة حصلت له في اليوم السابق فقال له: كنت البارحة يا عزيزي أمشي في الشارع الخامس بنيويورك فوقعت عيناي على امرأة مسنة يبدو على وجهها أثر واضح من جمال قديم، غير أن مسحة من الحزن غطت ذلك الوجه الرائع، فتقدمت منها دون أن أشعر بنفسي وقلت لها بعد تردد: سيدتي اعذريني، إنني رجل مهذب و«جنتلمان» كما ترين، وحسن النية والله، ولعلك، من أجل ذلك، لا تجدين بأسا في أن أقول لك إنك من أجمل ما رأت عيني من النساء!

قال صديقه ضاحكا: لابد أنها حسبتك مجنونا أيها الشاعر الطيب!

رد تشارلز: بل أنا من حسبت نفسي كذلك، لكنني، بعد هنيهة، لم ألبث أن قر رأيي على أنني ما فعلت شيئا في حياتي أحكم من هذا، فلقد أشرق وجهها الجميل سرورا، لأنها بلغت تلك المرحلة من العمر التي يحتاج فيها الإنسان إلى بعض ما يشد أزره، في وقت بدأ يرتاب فيه باستطابة الناس لعشرته وميلهم نحوه، ومن الجميل في لحظة كهذه، أن يجد المرء من يرفع معنوياته ويقوي ثقته بنفسه، لكن يا للأسف، كثير من الناس يبخل على الآخرين بهذه الفيتامينات الكلامية التي تنعش النفس وتحيي الروح!

لاشك أن تشارلز كان محقاً في كل حرف قاله، فأشد الناس تواضعاً يشعر بالراحة والسعادة حين تداعب آذانه كلمات المديح والثناء والتقدير من الآخرين، ومن المؤكد أنه سيضاعف جهده ويتقن عمله كي يكون أهلا لهذه الكلمات، وكلنا، أنا وأنت وهو وهي، قد مررنا بلحظات أليمة مريرة سأل كل منا فيها نفسه «أتراني قد أجدت ما طلب مني عمله حقا؟» أو «هل كنت ضيفا خفيفا أم ثقيلا على القوم... وهل استطابوا ما قلته وذكرته؟» وفي مثل هذه اللحظات، تكون كلمة ثناء واحدة كافية للإجابة عن هذه الأسئلة وإدخال السرور إلى القلب، حتى إن لم تكن صادقة تماما!

الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، لا يستطيع أن يعيش وحيدا دون مشاركة الآخرين، وهو محتاج دائما إلى أن يشعر به من هم حوله، في البيت والمدرسة والعمل، وأن يخبروه بين الفينة والأخرى، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، بأنه محبوب ومرغوب وأن أعماله وجهوده تلقى الاهتمام والامتنان والتقدير، ومعظم الناس من حولنا يبذلون الجهد الكبير كي يتقنوا عملهم ليكون على الوجه الأمثل، لكن، كيف سيعرفون أن أعمالهم محل التقدير وأنهم من خيرة العاملين ولا غنى عنهم أبدا، إن لم يقل لهم أحد من رؤسائهم ذلك؟!

يقول الكاتب والناقد المسرحي «تشانج بولوك»: "يوم كنت في بداياتي ناقدا مسرحيا ناشئا، بلغني أنه بعد أشهر قليلة سوف تشهد مدينتنا أول عرض في أميركا لمسرحية «سيرانو دي برجاك»... فما كان مني إلا أن قمت بجمع كل ما ادخرته من مال كي أنفقه في رحلة إلى باريس لأشاهد المسرحية هناك قبل الجميع، ثم لأقضي باقي الوقت في تحضير مقالتي «الاستباقية» عن المسرحية لكي تنشر في ليلة العرض الأول في أميركا، وهو ما حدث، فكنت على يقين حينها بأنني قد أديت عملي بإتقان تام وعلى الوجه الأمثل، لكن أحدا من رؤسائي لم يثن على المقالة، فشعرت بجرح في كبريائي وتبددت سعادتي وثبطت همتي، حتى وصلني بعد الظهر كتاب حار اللهجة ممتلئ بالحماسة من رئيس التحرير، لايزال معلقا أمامي وأنا أكتب هذه الكلمات، ولا أحد يستطيع أن يتصور ما أفادني به هذا الكتاب من عزيمة وإيمان بالجهد المبذول على مدى خمسة وأربعين عاما»!

إنه لمن النادر أيها السادة أن يأسف أحدنا على كلمة جارحة قالها في يوم من الأيام لآخر، غير أنه ليس هناك أحد من الناس لم يرض عن تصريحه بالحب أو الإعجاب أو التقدير للآخرين، ولعل أصدق ما يقال في هذا الأمر هو ذلك المثل الصيني الجميل: «الأزهار تترك بعضا من شذاها... في كل يد تهديها»، فانثروا أزهار كلماتكم الجميلة والطيبة في أيدي وقلوب وأرواح كل من هم حولكم ولا تبخلوا بها على أحد ممن يستحقونها... صباحكم فل وورد وياسمين!