الضم والانضمام... أم التضامن؟! 


نشر في 20-06-2010
آخر تحديث 20-06-2010 | 00:01
 خلف الحربي لا خلاف مع الدكتور النفيسي في تحذيره من الأخطار التي تحيط بدول مجلس التعاون، ولكن مواجهة هذه التحديات تكون بالوحدة التدريجية لا الانضمام المفاجئ, فالوحدة فكرة تنطلق من روح متفائلة يسعى فيها كل طرف إلى الاستفادة من إمكانات الآخر.

تبدو فكرة انضمام الكيانات الخليجية الصغيرة إلى الكيان الأكبر «السعودية»، والتي أطلقها المفكر القدير الدكتور عبدالله النفيسي غير منطقية حتى لو انطلقت من ضمير مخلص هدفه حماية الكيانات الصغيرة من الزوال، لأن الكيان الكبير هنا سوف يترهل وتتضخم مشاكله، أما الكيان الصغير فإنه سوف يزول بحكم الأمر الواقع... وهكذا «كأنك يا أبو زيد ما غزيت».

لا شك أن الوحدة الخليجية وما يسبقها من خطوات التكامل السياسية والعسكرية والاقتصادية تعد مسألة في مصلحة جميع دول الخليج، ولكن الوحدة لا تعني بالضرورة «الانضمام أو الضم», فالمتأمل لواقع الحال في دول مجلس التعاون يجد أن كل طرف يخدم بقية الأطراف بشكل أو بآخر، وأن كل دولة من الدول الأعضاء في المنظومة الخليجية «كبيرة على طريقتها», ولذلك فإن ذوبان أي دولة من هذه الدول في دولة أكبر سوف يضر بالجميع لصعوبة تعويض دورها المتميز داخل المنظومة المشتركة.

ولو تأملنا في واقع الدول الأوروبية لوجدنا أنها متوحدة في كل شيء بدءا من الدفاع والأمن والسياسة الخارجية، ومرورا بالعملة النقدية والحدود المفتوحة وانتهاء بمواصفات أنابيب المياه وأسلاك الكهرباء، ولكنها رغم ذلك لم تجد أي حاجة للضم والانضمام, حيث بقيت كل دولة محتفظة بهويتها الوطنية ونظامها السياسي، بينما تتمتع الشعوب الأوروبية في الوقت ذاته بكل ميزات الدولة الكبرى الموحدة.

ومن الناحية النظرية فإن مهمتنا الوحدوية أسهل بكثير من مهمة الأوروبيين، فنحن شعب واحد في عدة دول متقاربة سياسيا واقتصاديا, ولكن المشاريع الوحدوية الناجحة لا تصنعها العواطف، بل يصنعها العمل المؤسسي الطويل.

ولعل أقرب وأبسط مثال يمكن طرحه بهذا الخصوص هو أننا احتفلنا قبل فترة قصيرة باتفاقية الربط الكهربائي بين دول الخليج، وفرحنا كثيرا بفكرة توزيع «الفائض الكهربائي» وإمكانية نقله من دولة خليجية متخمة بالكهرباء إلى دولة أخرى تعاني أنيميا الكهرباء, ولكن الصورة التي يقدمها واقعنا الكهربائي في هذا الصيف اللاهب أن أغلب دول الخليج «كبيرها وصغيرها» يعاني انقطاعات الكهرباء المتكررة، وتعمل المحطات فيها بطاقتها القصوى, فأين ذلك الفائض الذي سوف نتبادله فيما بيننا؟! وهكذا فإن اتفاقية الربط الكهربائي سوف تفقد جدواها ما لم تطور كل دولة- على حدة- مشاريعها المتعلقة بزيادة إنتاج الطاقة الكهربائية.

لا أحد ينكر أن الخطوات الوحدوية الخليجية تتسم بالبطء الشديد، وهذا أمر مؤسف بالنسبة لكل خليجي محب لوطنه وأشقائه, ولكن الأمر الجيد أن الخليجيين مازالوا يديرون مشروعهم الوحدوي بعقلية الشركاء المتساوين، ما أكسب هذه المشاريع الوحدوية المختلفة قدرة على الاستمرار وجنبها عواصف الخلافات التي قد تطرأ بين وقت وآخر.

وفي نهاية الأمر لا خلاف مع الدكتور النفيسي في تحذيره من الأخطار التي تحيط بدول مجلس التعاون، ولكن مواجهة هذه التحديات تكون بالوحدة التدريجية لا الانضمام المفاجئ, فالوحدة فكرة تنطلق من روح متفائلة يسعى فيها كل طرف إلى الاستفادة من إمكانات الآخر وإفادته بما يملكه من إمكانات، أما الانضمام فهو فكرة تنطلق من روح متشائمة يسعى فيها كل طرف إلى إلقاء إمكاناته في البحر والاعتماد على إمكانات الآخر... وفي ذلك إضعاف غير مبرر للطرفين!

* كاتب سعودي

back to top