أمس الاثنين حلَّت الذكرى الخامسة عشرة لتوقيع اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل، وحقيقة فإن هذه الذكرى قد جاءت بينما تلاشى أو كاد آخر بصيص أمل بأن السلام الشامل سيعم هذه المنطقة، وأن العملية السلمية التي انطلقت خلال مؤتمر مدريد في عام 1991 ستنتهي النهاية السعيدة المرجوة، والسبب هو أن هذه الحكومة الإسرائيلية، التي هي محصلة تراجع بدأ باغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين، تبدو مصممة على محو آثار اتفاقيات أوسلو والعودة بالأمور إلى نقطة الصفر وإلى المربع الأول.

Ad

ولعل ما يجب التوقف عنده، وقد حلَّت هذه الذكرى وحال عملية السلام هي هذه الحال، هو أن أصواتاً كثيرة قد بادرت إلى مطالبة الأردن بالانسحاب من هذه المعاهدة احتجاجاً على كل هذا الذي تفعله الحكومة الإسرائيلية، وعلى تراجع هذه الإدارة الأميركية عمَّا كانت وعدت به خلال معركة الانتخابات الرئاسية وبعد فوز باراك أوباما بهذه المعركة، وحقيقة فإنه بالإمكان الاستماع إلى هذه المطالبة وتقديرها لو أن واقع اليوم العربي والدولي ليس أسوأ كثيراً من واقع الأمس، عندما انعقد مؤتمر مدريد الشهير في بدايات تسعينيات القرن الماضي.

لم يكن قرار "السلام" في مدريد وقبلها وبعدها قراراً أردنياً، لقد كان قراراً عربياً اتكأ على مسيرة طويلة، والآن فإن العودة عن هذا القرار هي مسؤولية عربية لا مسؤولية أردنية، وذلك لأن المفترض أن يتْبع تخلّي الأردن عن وادي عربة وتخلّي مصر عن اتفاقيات كامب ديفيد توجه عربي نحو خيار الحرب والمواجهة العسكرية، فهل هذا ممكن في مثل هذا الواقع وفي مثل هذه الظروف...؟!.

قبل أن يُنظِّمَ المتفرجون عن بعد سابقاً ولاحقاً، والذين لم تظهر أدوارهم إلَّا في هذا الزمن العربي الرديء هذه الحملة "الفضائية" للضغط على الأردن وحمله على الانسحاب من معاهدة وادي عربة، التي كان قد وقّعها مع إسرائيل في السادس والعشرين من أكتوبر عام 1994 في تلك الظروف والأوضاع المعروفة، عليهم أن يقولوا ما هي الخطوة التالية، وعليهم أن يضعوا إمكاناتهم الزائدة عن حاجتهم بألف مرة في خدمة الحرب، هذا إذا تخلّى العرب عن خيار السلام وعادوا إلى خيار الحرب.

أمَّا أنْ يُستهدف الأردن بهذه الطريقة، وأن يتعرض لكل هذه الحملة "الفضائية" من أجل إجباره على الانسحاب من معاهدة، ما كان من الممكن أن يوقعها لو أن العرب كلهم وفي مقدمتهم هؤلاء "الممانعون"!! قد اختاروا خيار السلام، فإن هذا يستدعي كل الشكوك بأن هناك خطة إسرائيلية ينفذها وللأسف من يفترض أنهم أشقاء لإرباك هذا البلد، المملكة الأردنية الهاشمية، وحمله تحت ضغط هواجسه الداخلية على التخلّي عن مواصلة دعمه المميز للأشقاء الفلسطينيين وللقضية الفلسطينية.

إن مؤامرة "الوطن البديل" ستكون البديل الجاهز لانسحاب الأردن المنفرد من اتفاقية وادي عربة وتخليه عن العملية السلمية في ظل عدم وجود الخيار العربي الآخر، الذي هو خيار الحرب والمواجهة العسكرية، وفي ظل هذا الواقع الدولي غير المسْعف، إذ بات العالم كله يقف على قدم واحدة هي القدم الأميركية.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء