تعرفت من خلال العمل السياسي والإعلامي، على الأخت الدكتورة رولا دشتي منذ عدة سنوات، وجمعتني بها مناسبات سياسية وإعلامية عدة، فوجدت فيها نموذجاً للسياسي المثقف الواعي الذي يتصرف بعقلانية ويعمل بطريقة منظمة ويعبر عن نفسه بشكل واضح مركز، وأما الأخت الدكتورة أسيل العوضي وإن كانت لم تتسن لي فرصة التعرف عليها إلا من خلال وسائل الإعلام، ولم يجمعني بها إلا لقاء يتيم منذ أيام في ندوة أقامها مركز الدراسات الاستراتيجية بجامعة الكويت، فإنه لا يوجد ما يجعلني أتخيلها على غير الشاكلة الراقية التي تتصف بها الدكتورة رولا.
الدكتورتان النائبتان الداخلتان حديثاً إلى عالم العمل النيابي، واجهتا، وكما كان متوقعاً، في يومهما البرلماني الأول، تحدياً سياسياً ابتدائياً تمثل في احتجاج بعض النواب على مخالفتهما للضوابط الشرعية الواردة في قانون الانتخاب. لكن الغريب أن الدكتورتين وبالرغم مما أظن أنهما يمتلكانه من القدرات السياسية والتعبيرية، وكذلك بالرغم من كون الاعتراض على عدم ارتدائهما للحجاب كان متوقعاً جداً ويفترض أنهما استعدتا له عقلياً ونفسياً، لم تتصديا بالرد عليه وبقيتا جالستين بصمت غريب، مكتفيتين بمحاولة هشة من النائب العزيز صالح الملا للدفاع عنهما!لكن الأسوأ هو أن النائب صالح الملا الذي قام رافضاً أن تصبح الجلسة «هايد بارك»، ومطالباً المعترضين باحترام حريات الناس على حد تعبيره، لم يكن موفقا في تصديه، وما كان مدافعاً مقنعاً عن النائبتين حيث لم يأتِ بحجة ذات قيمة، وكان الأجدر بالنائبتين ألا تنتظرا لا منه ولا من غيره ذلك أصلاً، وأن تقوما للدفاع عن قضيتهما بنفسيهما إن كان لديهما ما تقولانه، خصوصا أن التاريخ كان واقفاً ينتظر ليرصد ويسجل موقفهما النيابي الأول حيال الأمر. منذ فترة تم تداول صورة للنائبة د. رولا دشتي وهي تقف بجوار السيد حسن نصر الله الأمين العام لـ»حزب الله»، حيث كانت جزءاً من وفد كويتي ذهب لتهنئة اللبنانيين بتحرير الجنوب، وظهرت الدكتورة في تلك الصورة واضعة على رأسها غطاء للرأس، وأظنها فعلته من باب الاحترام الديني والمواءمة السياسية، متخلية بذلك بذكاء وحكمة عن حق من حقوقها، واليوم ها هي تقف هي وزميلتها د. أسيل تحت مظلة قانون دولتهما الانتخابي الذي يلزمهما بالضوابط الشرعية والذي هو في رأيي جدير كذلك بالاحترام والتقدير.وبالطبع، ودون الحاجة إلى الدخول في المقصود على وجه الدقة بهذه الضوابط الشرعية، فالموضوعية والإنصاف يقتضيان منا أن نقول إن غطاء الرأس هو أبسط هذه الضوابط، لذلك يا ليتها قامت، هي وزميلتها، ومن نفس باب الحصافة والمواءمة السياسية بما قامت به يوم التقت السيد نصر الله، فوضعت على رأسها «إيشارباً» بسيطاً ما كان ليضرها بشيء، وحينها لسكت الجميع ومرت الأمور بهدوء، بل لسجل التاريخ نقطة سياسية لمصلحتها هي وزميلتها.لا مشكلة عندي في اعتراض الدكتورتين على هذا القانون والقول بعدم دستوريته مثلا، فهذه هي الديمقراطية التي ارتضيناها، وأرى لذلك أن من حقهما العمل بالطرق القانونية لتغييره، لكن مشكلتي في أن يصبح مقبولاً بأن يضرب كل شخص بالقوانين التي يختلف معها أو لا تعجبه عرض الحائط فيكسرها!أعلم أن مقالي لن يروق للبعض، وسيقولون إن البلد يئن تحت وطأة مشاكله وأزماته وهناك مَن لايزال واقفاً عند حجاب النائبات، لكنني سأقول بأنها مسألة مبدأ، واحترام القانون كل متكامل لا يتجزأ ولا يجوز لأحد أن يلوي عنق أي جزء منه بحسب ما يشتهي، وإن نحن تجاوزنا في هذه الجزئية، وتجاوز الآخر في تلك، صار القانون مستباحاً، ولوجدنا أنفسنا في آخر المطاف وقد صرنا في دولة بلا قانون، ودولة بلا قانون هي دولة بلا قيمة!
مقالات
حجاب النائبتين د. رولا ود. اسيل
02-06-2009