في أحد شوارع جدة المزدحمة، وتحت لهيب الشمس المجنونة، تسلل شاب بسيارته الرياضية وسط الزحام الخانق بطريقة ليس لها أدنى علاقة بقانون المرور، ورغم ذلك شعرت بأن جميع المحبوسين في الزحام تسامحوا مع سلوكه الأرعن لأنه كتب على الزجاج الخلفي لسيارته: «أنا عندي مكيف إذن أنا موجود».

Ad

لا أعلم ما الذي يمكن أن يحدث لنا لو لم يولد المهندس «كارير» مخترع جهاز التكييف، فدرجات الحرارة غير الطبيعية هذا الصيف تؤكد لنا أننا كائنات كان يمكن أن تتعرض للانقراض إن لم يولد الأميركي «وليس كارير» الذي لا نعرف أصله ولا فصله، ولكنه حافظ على بقاء سلالات العرب العاربة والمستعربة تحت لهيب شمس لا تعرف الرحمة، فلولا إصراره على فكرته التي طورها على مراحل لأصبحنا جميعا في عداد العرب البائدة.

في ماضي الأزمان قيل لأعرابي: ماذا تفعل إذا اشتد القيظ وانتعل كل شيء ظله؟ (تخيلوا انتعل كل شيء ظله... أي أن أشعة الشمس أصبحت عمودية ودرجة الحرارة وصلت إلى مداها الأقصى)، فكيف كان جواب أخينا في الله؟ لقد قال الأعرابي لسائليه: وهل العيش إلا ذاك! (أي عادي جدا جدا، فهو لا يتخيل الحياة بغير هذه الصورة الملتهبة!) ثم أضاف: أضع عصاي ثم أضع فوقها عباءتي وأجلس في ظلها، فكأنني في إيوان كسرى!

تخيلوا لو بقينا على اختراع جدنا الأعرابي الذي يقوم على فكرة استحلاب الظل من عباءة معلقة بعصا فإننا في هذه الحالة حتى لو اتقينا بعضا من أشعة الشمس العمودية فسوف نفقد قدرتنا على الحركة والعمل، بالطبع طور الإنسان فكرة اتقاء أشعة الشمس وأنتج ما يمكن أن نسميه بالظل المتحرك من خلال المظلة أو الشمسية التي يحملها بيده، ولكن جهاز التكييف جاء ليحدث ثورة حقيقية في حياتنا أكثر من أي أمة أخرى إلى درجة أننا لا نتخيل اليوم العيش من دونه في البيت أو في السيارة أو في العمل أو حتى في السوق، لذلك نردد دون وعي كلما هبت نسائم جهاز التكييف في القيظ اللاهب: «وهل العيش إلا ذاك؟!».

لو كنت مسؤولا في البلدية لسميت أهم شارع في المدينة باسم الشيخ «كارير» وأنا واثق من أن الكثيرين سيؤيدون هذه الخطوة، وأولهم ذلك الشاب الذي يقود سيارته الرياضية بثقة عجيبة وسط الزحام بعد أن توصل إلى نظرية أهم بكثير من نظرية ديكارت، فالتفكير لا يعد دليلا حقيقيا على وجود الإنسان، فإذا كان جهاز التكييف معطلا في عز الصيف، فأنت في مثل هذه الحالة سوف تفكر في إمكانية استمرار وجودك على قيد الحياة كلما طال الطريق وازدادت أشعة الشمس قسوة وعنادا.

كما أن «كارير» يستحق منا صادق الدعاء، فهو صاحب فضل عظيم علينا، وليس ثمة مخترع يفوقه فضلا سوى الأخوين «رايت» اللذين اخترعا الطائرة، حيث يمكن أن تتخلص من مشكلة الصيف اللاهب من جذورها، حيث يمكن أن تستلقي في أي بقعة باردة في العالم وأنت تردد: «وهل العيش إلا ذاك؟»، ولكن مشكلة اختراع الأخوين «رايت» أنه مرتبط دائما باختراع قديم هو النقود... بالمناسبة من الرجل الذي اخترع النقود كي ندعو عليه؟!

* كاتب سعودي