نسيم... طردته «الخصخصة» من الحياة فمات على رصيف «مجلس الشعب»
قطع العامل المصري نسيم محمود 200 كيلومتر من محافظته البحيرة في دلتا مصر، إلى رصيف مجلس الشعب المصري في وسط القاهرة، ليبدأ رحلة الدفاع عن حقه ولقمة عيش أسرته، مع 250 عاملاً من زملائه. ولم يكن يدري أن هذه الرحلة هي آخر رحلة في حياته، وأن التاريخ سوف يسجله في دفتر أحوال المعتصمين، باعتباره أول عامل يموت على رصيف البرلمان، وهو يهتف ضد الفساد الذي حوله إلى عاطل.أصيب محمود(49 سنة) بأزمة قلبية وهو يطالب مع زملائه بإعادة الحياة لشركة "النوبارية للهندسة والمعدات الزراعية" التي خصخصتها الحكومة في عام 1997، وأغلقها المستثمر منذ عامين، ليشرد عمالها ويحكم بالجوع على أسرهم في ظل تزايد عدد ضحايا الخصخصة وارتفاع جنوني للأسعار.
هيام محمد، أرملة محمود، انفجرت باكية، خلال حديثها لـ"الجريدة"، وهي تتذكر بداية عمل زوجها في الشركة، فتقول: "بدأ زوجي العمل في شركة النوبارية، في وظيفة عامل سباكة براتب 60 جنيهاً في الشهر، تضاعف إلى 300 جنيه (الدولار حوالي 5.5 جنيهات مصرية)، قبل 26 شهراً، قبل أن يقرر المستثمر الذي اشترى الشركة من الحكومة، غلقها بشكل نهائي". وتمضي الزوجة قائلة: "طوال عامين بعنا كل شيء في البيت، لنصرف على علاج زوجي، ثم اضطررنا إلى بيع المنزل، وذهبنا للعيش في بيت شقيق زوجي". هكذا استكملت هيام حديثها عما ألمَّ بالأسرة بعد ترك الزوج للعمل، الذي كان يوفر له إلى جانب الراتب الشهري، تأمينا صحياً يوفر عليه أموالا كبيرة يدفعها لعلاج الأمراض التي ألمت به، مثل السكري والالتهاب الكبدي الوبائي.حاول أبناء نسيم (3 أولاد بين 17 و20 سنة، حصلوا على مؤهلات متوسطة)، المساهمة في نفقات البيت، وتعليم شقيقهم، تلميذ الإعدادية، لكن مساعدتهم لم تكن على المستوى المطلوب، بسبب شح العمل، وكثرة البطالة، ولأنهم اشتغلوا بأعمال يومية دخلها لا يستطيع الصمود أمام غول الأسعار الذي يتوحش.شيع زملاء نسيم محمود جثمانه إلى مثواه الأخير، وعادوا إلى مكانهم على رصيف البرلمان، الذي أصبح مقصداً لآلاف العمال يقفون عليه في مشهد مهيب ضد "الفقر والجوع وسياسات الخصخصة التي تتبعها الحكومات المصرية منذ مطلع التسعينيات، بطريقة لم تكسب الدولة شيئاً ولكن دفع ثمنها العمال الذين طردوا من العمل إلى مقاهي البطالة"، حسبما يقول أحد زملاء محمود، الذي وقف هاتفاً في إحدى المظاهرات "آه يا حكومة الإقطاع... حق العامل فيك ضاع".