لم يحن وقت المنازلة بعد، لكنهم يريدون الإيحاء بأن المسرح بات جاهزا لإحكام الطوق على إيران، وأن حلفاء إيران والجبهة التي تجمعهم بها في طريقها إلى التناثر إما بالملاحقة القضائية عبر ما بات يعرف بالقرار الظني المشبوه لمحكمة دولية تحركها غرفة سوداء ضد عناصر من «حزب الله» اللبناني، وإما من خلال الإيحاء بأنهم يقتربون من هدف إبعاد سورية عن إيران على خلفية الملف العراقي، وإما ملامسة ضرب العمود الفقري للمقاومة من خلال الإجهاز على حكومة غزة.

Ad

المؤامرة باتت مكشوفة ويعرفها القاصي والداني، وجوهر سيناريو أرباب خيبة حرب الـ33 يوما على لبنان، وبعدما جزعوا من التوصل لأي حل يخرجهم من خيباتهم المتتالية فإنهم قرروا التحضير ابتداء من الخريف القادم مسلسلا من الحلقات التآمرية التي تقوم على اتهام حلفاء إيران باغتيال الحريري، ومن ثم تتويج هذا المسلسل بأن الأوامر جاءت من إيران ولأهداف إيرانية، وسيكون النووي الإيراني إحدى الواجهات التي يتسلق عليها منظمو مسرح الفتنة الجديدة.

بعد ذلك يبدؤون بجس نبض جبهة المقاومة والممانعة طرفا طرفا، يتحرشون بلبنان أولا في محاولة لرسم سيناريو يشبه فتنة الاقتتال الطائفي العراقي، بعدها يبدأ الضغط على سورية من جديد لفك تحالفها نهائيا مع إيران كشرط لمنحها أدوارا مزعومة في لبنان والعراق، ومن ثم يتم تتويج كل ذلك بتحريض واسع على إيران باعتبارها «المتفلتة» من التزامات الدولة العضو في المجتمع الدولي والخارجة على إجماعه، وإذا أمكن التحرش بها نظاميا عبر هجمة إسرائيلية مباغتة.

وكل ذلك قائم على تحليل طوباوي، قدمه إليهم مجموعة من المفلسين والبائسين ممن يسمون أنفسهم بالمحللين الاستراتيجيين الكبار، بينهم عرب وإيرانيون وغربيون بالطبع من الطراز الأول في علم الاستخبارات وجمع المعلومات، ضمتهم على امتداد أشهر عديدة اجتماعات معهد بروكينز وسابان وغيرها من المعاهد الأميركية تحت عناوين مختلفة ومتنوعة، يافطتها الرئيسة أن إيران والمنطقة باتتا ناضجتين للتغيير، ولم يبق سوى حزم أميركي للوقوف إلى جانب مخطط الكيان الصهيوني و»معارضة» الداخل الإيراني، والباقي ليس سوى لعبة دومينو كفيلة بفك حلقات التحالف المقاوم، والإطاحة بما يسمونه بالمشروع الإيراني المضاد.

إنه لأمر يثير الشفقة حقا، أن يختفي عقلاء العالم جميعا من المسرح الدولي، ولا يبقى في الميدان إلا الغارقون في أحلامهم السوداوية البائسة والفاشلة قطعا، وهم يمسكون بالإعلام وأدوات الحرب النفسية، وبعض أجهزة ومؤسسات المنظمات الدولية العالمية بينها مجلس الأمن الدولي، ظنا منهم أن العالم الحقيقي هوهذا العالم الافتراضي والخيالي الذي يسبحون فيه.

نقول ذلك لأن الفرضية الأساسية التي يقوم عليها المسلسل الفكاهي والكاركاتيري هذا، هي أن صناع القرار المقاوم في مربع الصمود الإيراني السوري اللبناني الفلسطيني سترتعد فرائصهم وتضعف هممهم وتخف إرادة التحدي عندهم مع أول حلقة من حلقات السيناريو الآنف الذكر، ومن ثم يبدأ مسلسل التنازلات والتراجعات، ولاحقا الانهيارات التي عادة ما سيتبعها ظهور قوى محلية بديلة مستعدة لعقد التسويات المناسبة مع الغزو القادم من وراء البحار في مقدمة لعقد صفقة العمر الكفيلة بحماية أمن منظومة الكيان الصهيوني المعرضة لأول مرة في تاريخه للاهتزاز الجدي وفرضية الزوال.

وحدهم الرابضون على الجبهة الأمامية في الصراع، والقابضون على دينهم وثقافتهم وتراثهم الكفاحي بيد، وعلى سلاحهم الدفاعي المتطور باليد الأخرى، يعرفون تماما كم هو كوميدي ومثير للشفقة مثل هذا السيناريو الذي يتم ترويجه الآن في إعلام العدو الناطق بالعبرية والإنكليزية يوميا، وبالعربية الفصحى أحيانا أخرى للأسف الشديد.

المطلعون على بعض خفايا الأمور يؤكدون بيقين العارف أن مسرح المنازلة سيكون مليئا بالمفاجآت، إذا ما قرر الأغبياء والحمقى ارتكاب الخطيئة التاريخية، ومليئا بمفاجآت لا تقل أهمية على مسرح الحرب النفسية التي عادة ما تسبق أي منازلة، والعاقل هو من يتعلم من أخطاء غيره ممن سبقوه أو من أخطائه هو، كما يعيشها حاليا بالوقائع والأرقام، أما أولئك الذين لا يريدون هذا ولا ذاك، ويظنون أن العالم يقوم على قراءة الفنجان وتراكم المصادفات وتجميع النقاط على ورق المحللين الاستراتيجيين الصفراء من جنسيات متعددة، كما حصل في العراق وأفغانستان، فإننا نقول لهم ليس الحكيم من يميز بين خيره وشره، بل الحكيم من يعرف أهون الشرين ويلوذ بالفرار قبل فوات الأوان.

من جهتها فإن جبهة المقاومة والممانعة تتصرف مع المقبل من عوادي الدهر بأن كل الجهوزية للحرب الدفاعية الظافرة وكأنها واقعة غدا، وكل الاستعداد لمراكمة نقاط الانتصار من دون حرب وكأن العدو لن يجرؤ عليها لأعوام، والعاقبة لمن يقرأ التاريخ جيدا ويعتصم بالجغرافيا متراسا يكبر يوما بعد يوم، كلما غرق العدو في أوحال هزائمه المتتالية في أكثر من ساحة.

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني