تمتلك الصحراء برياحها، وكثبانها، ورمالها، إرثاً ثقافياً واجتماعياً تستبطنه الأذهان والعقول لأمد بعيد، ولربما يربط هذا الإرث سكان هذه الصحارى من القبائل بوشائج تختلط فيها معالم الحداثة بما سواها من موروثات فكرية وولاءات قبلية تعود في مجملها إلى عصر ما قبل الدولة، ما من شأنه أن يفتح الحوار على مصراعيه في العلاقة الملتبسة بين "القبيلة والدولة". تلك التي تحدث عنها مفكرون ونقاد وعلماء اجتماع عرب، كل من وجهة نظره، وإن بدا أن المعادلة تقف على طرفي نقيض كعادتنا دائماً في صنع الثنائيات المتناقضة، فبين مناصر للقبيلة بكل أشكالها، وبين مناقض لها ومنتقد لسلوك أفرادها.

Ad

المفكر والناقد السعودي عبدالله الغذامي يبدو الأكثر حضوراً في هذا الجانب، فمنطلقاته الفكرية/ الاجتماعية في قراءاته ومقارباته النقدية تخلق أجواء من القراءة تبدو مألوفة لعامة القراء، وملامسة لجوانب حياتهم، فبعد أن قدم مشروعه الهام "النقد الثقافي" وتمثل في عدة كتب أهمها كتاب يحمل العنوان ذاته. نجده يقدم إلى القراء كتابه ""القبيلة والقبائلية... هويات ما بعد الحداثة". نال الكتاب شهرة فور صدوره، ذلك لأن مقالاته كانت قد نشرت تباعاً في جريدة الرياض السعودية، وربما لإشكالية الموضوع، والمكانة العلمية المرموقة لكاتبه.

يتساءل الغذامي عن عودة مظاهر البحث عن الجذور والأصول بالنسبة إلى عوائل سعودية وعربية ذات مكانة اقتصادية وعلمية عريقة ربما لم تعد بحاجة إلى القبيلة في أصلها، ولكنّ أفرادا منهم يصطنعون شجرة للعائلة، ويفتشون في الوثائق والخرائط القديمة بحثاً عن جذور أو أصول ينتمون إليها. يفرق الغذامي بين ما يطلق عليه "القبائلية" وهي المتمثلة في جميع السلوكيات المناقضة أو السيئة التي يمكن أن تنجم عن التعصب القبلي، و"القبيلة" باعتبارها انتماء عرقياً، لطائفة من البشر، تتولد عنه روابط وأواصر من التلاحم تُشعر الفرد بالاطمئنان. يسرد في هذا الصدد أمثلة واقعية كثيرة تؤكد في مجملها عودة مظاهر القبيلة بين أفراد يعيشون في المدينة المعاصرة، سواء في الخليج أو الدول العربية.

مفكرون آخرون تناولوا موضوع "القبيلة والدولة" من منطلقات عدة، إلا أن ما يعنينا هنا هو الجانب الجمالي الأدبي الصرف. فالصحراء بما تملكه من امتداد مكاني، وقسوة في المناخ، وأساطير خاصة تمتد في العمق التاريخي لشعوب هذه المنطقة قد تشكل مخيّلة خصبة للكتابة والإبداع، الأمر الذي اختاره الروائي الليبي إبراهيم الكوني ثيمة أساسية في جل أعماله، واصبحت مشتركاً نقدياً يتفق عليه كثير من النقاد والباحثين، بل هناك أبحاث ودراسات نقدية تتناول أدب الصحراء في أعمال الكوني. نقرّ هنا بأن الشهرة تلعب دورها لدى روائي أصبح معرووفاً على المستوى العالمي، أو عدوى التقليد في الدراسات النقدية قد تكون حاضرة في هذا الجانب. ذلك لا يمنع أن أدب الصحراء له مفرداته ومكوناته الخاصة به، سواء على مستوى الشعر وهوالأوسع والأكثر انتشاراً، أو على مستوى القصة والرواية. أما المسرح فإن سكان الصحراء لم يتعرّفوا إليه إلا متأخراً. وقد تبدو الصحراء فقيرة إذا نظرنا إلى مكوناتها الخارجية، ( كثبان، رمال، رياح، نباتات محدودة)، إلا أن العبرة لا تكون هنا على فقر هذه العناصر ومحدويتها بقدر ما هو حديث عن عادات يتطبع بها سكان هذه المنطقة، وأعراف، وموروث هو بمنزلة ميثاق شرف للتعامل بين بين هؤلاء الأفراد، ولنا أن نضيف المرأة ابنة البادية وما تتخلق به من طباع مظهرية وسلوكية تشكل لذّة مختلفة وغموضاً يخلق جمالية في نصوص الشعراء والمبدعين.