آمال: آخر الدواء... الميسم

نشر في 01-09-2009
آخر تحديث 01-09-2009 | 00:00
 محمد الوشيحي «الحاجة تصنع المعجزات، والخوف يضاعف القدرات»، هكذا تقول الكتب، وهكذا قال مدرس العلوم. وكان أن أخبرني أحد الأصدقاء، أيام الدراسة في المرحلة المتوسطة، عن جارهم العربي الذي يسكن الدور الثاني ويستمتع وزوجته بحقهما الشرعي وفتحة التكييف غير مغطّاة، ويمكن أن نطل ونتفرج بالبلاش المجاني، فاتفقنا وذهبنا لمشاهدة الفيلم الحي، وعشنا أياماً في تبات ونبات، نشاهد المنظر كل ليلة ونكتم ضحكاتنا، إلى أن تظهر كلمة «النهاية» فنعود أدراجنا ونرقع بضحكاتنا المكبوتة! لكن ولأن «السعادة لا تدوم لكائنٍ»، فقد شاهَدَتنا المرأة وصرخت بأعلى صوتها «يا لهوي» فالتفت إلينا زوجها، وحيد القرن، بعينين تنفثان الشرر وترسلان الخطر، وكشف عن أسنان صفراء من غير سوء، فقفزنا إلى الأرض بسرعة، فاصطدمت أسنان صاحبي بركبته، وراح يبكي ويعرج ويجري إلى مشارق الأرض، بسرعة تُخجل العدائين الأولمبيين، وأنا رحت أبكي وأجري إلى مغارب الأرض، ويبدو أن صاحبي أنهى دورته ولف الكرة الأرضية كاملة وعاد إلى الشارع نفسه، فاستأنف الرحلة من جديد لشدة هلعه. الغريب أنه كان سميناً بعض الشيء وكان يحجل كالغراب، فمن أين أتى بهذه السرعة وهذه الرشاقة؟ إنه الرعب الذي يضاعف القدرات.

حكايات كثيرة و»قصصات» على رأي ولدي الفصيح، كلها تؤكد أن الإنسان يمتلك طاقة لا يستخدمها إلا في الكوارث. ونحن اليوم في زمن كارثي، وفي حاجة وخوف، تقودنا حكومتنا إلى وادٍ غير ذي زرع، لا زمزم فيه ولا مطعم، وما إن نخرج من مصيبة ونغسل وجوهنا من غبارها ونسند ظهورنا إلى الجدار لنسترد أنفاسنا، حتى نسمع نحيباً رهيباً وعويلاً ثقيلاً، فندير رقابنا تجاه الحكومة علّها تمدنا بمناديل، فإذا الحكومة مثلنا تبحث عمّن يمدها بمناديل! وأظن أن الخوف والحاجة سيدفعاننا إلى استخدام آخر الدواء، الميسم والنار والكي، وهذا ما يجري الآن التحضير له من بعض النواب، كما بلغني، فالخيل تُسرَج اليوم وتُزعفَر، والسفن تم حرقها، والحرب المقبلة ستكون الأخيرة، فإما أن تسقط المدينة أو يموت المهاجمون.

***

معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، وصلتني رسالة من والد طفل كويتي مريض، يرقد في العناية المركزة في أحد مستشفيات لندن. الطفل عمره ثلاث سنوات، وهو مُرسل على حساب وزارة الدفاع، وقد سمح له الأطباء - منذ الثالث من شهر يونيو الماضي - بالخروج شريطة توافر جهاز تنفس صناعي قيمته 16 ألف جنيه استرليني، لكن عباقرة المكتب الصحي الكويتي في لندن «طوّلوا السالفة وعرّضوها» كعادة الموظفين عندما تتلبسهم «النحاسة». والمضحك في الأمر، إن كان في المآسي ما يُضحك، هو أن تكلفة الليلة الواحدة في العناية المركزة تبلغ ثلاثة آلاف جنيه استرليني، أي أن الإخوة عباقرة المكتب الصحي صرفوا حتى الآن نحو 270 ألف جنيه استرليني، وسيرتفع المبلغ مع بقاء الطفل في العناية، في حين أنّ بإمكانهم جلب الجهاز المذكور، وتوفير الأموال العامة والدموع الحارة.

معالي النائب الأول، صورة الطفل التي وصلتني تذيب صخور الجبال، وتحيلها إلى صلصال. والقلم في يدك، والأمانة في رقبتك، وشكراً بالنيابة عن الطفل ووالده، مقدماً. 

back to top