تحت عنوان "من الذي شوه النظام الديمقراطي؟" كتب الزميل الفاضل عبداللطيف الدعيج مقالا قيما في صحيفة "القبس" في الأسبوع الماضي تطرق فيه إلى بعض ما ورد في مقال لنا سابق بعنوان "الخصخصة: من مواطنين إلى زبائن" وبالذات عندما ذكرنا أن "السلطة في حال خصخصة الملكية، ستكون بيد من يملك القطاع الخاص، أي أصحاب رؤوس الأموال، وبهذا فإن سلطة المواطنين على ثروتهم الوطنية المتعلقة بإنتاج النفط والغاز الطبيعي ستنتهي لمصلحة ملاك القطاع الخاص، مما يعني انتهاء المسؤولية والرقابة العامة التي ستتحول تلقائياً إلى المسؤولية الخاصة، وهذا ما يهدد مبدأ الديمقراطية القائمة على الحقوق المتساوية بين المواطنين حتى في ما يتعلق بملكية ثروتهم الطبيعية ومواردها لأننا سنتحول، بعد الخصخصة، من مواطنين إلى زبائن!".
يبدو أن للزميل الفاضل وجهة نظر مغايرة لوجهة نظرنا، فنحن نرى أن انتقال الملكية وبالتالي السلطة إلى أصحاب رؤوس الأموال وملاك القطاع الخاص "التجار" لن يعزز من الديمقراطية بل سيضعفها، لذلك فإننا نختلف اختلافاً كلياً مع من يرى أن انفراد طبقة أو فئة ما بالسلطة سيعزز من الديمقراطية أو يوسع من المشاركة الشعبية، وهو ما قد يفهم من بين سطور مقال زميلنا، مع أننا لا نظن أنه يقصد ذلك، إذ من المعروف عنه دفاعه الصلب عن الديمقراطية.ليس لدينا شك البتة في الدور الوطني المميز الذي كان يلعبه ولايزال التجار الوطنيون ضمن التيار الوطني الديمقراطي، إذ إن هذا الدور قد ساهم مساهمة واضحة وحاسمة في المحافظة على الديمقراطية وتعزيز المكتسبات الدستورية، وهو ما لا يستطيع أي منصف أن ينكره أو يتجاهله. ليس ذلك فحسب بل لقد كان للتجار الوطنيين ولايزال دور مهم ومؤثر في العمل الوطني الديمقراطي نتمنى أن يستمر ويتجذر، لذا فقد طال التهميش الحكومي دور التجار الوطنيين، إذ تمت محاربتهم خلال العقود الثلاثة الماضية كونهم جزءاً مهماً وأساسياً من التيار الوطني الديمقراطي، لكن في اعتقادنا أنه من الخطأ التحدث عن فئة التجار بشكل عام على أنها هي التي ستطور وتعدل النظام الديمقراطي إلى الأفضل، وهو رأي نختلف معه كليا، لأن قوى التخلف والرجعية والفساد والإفساد الموجودة حالياً يقودها تجار أيضاً معادون للديمقراطية وللدستور. وأخيراً فإنه لا يمكن الفصل بين بعض أبناء الأسرة الحاكمة وأصحاب رؤوس الأموال أو التجار، إذ إن واقع الحال يشير إلى أنه ليس هنالك حد فاصل "قسرياً" بين المجموعتين في ما يتعلق بالتجارة وملكية القطاع الخاص، إذ تداخلت التجارة مع الحكم منذ زمن بعيد، فكثير من أبناء الأسرة الحاكمة هم من كبار التجار وأصحاب رؤوس الأموال الضخمة، لذا فإننا عندما نتحدث عن انتقال السلطة الذي سيترتب على الخصخصة الشاملة (بيع القطاع العام أو تصفية النشاط الاقتصادي للدولة) فإننا، مرة أخرى، نعني انتقال السلطة من عامة المواطنين "الشعب" إلى كبار ملاك القطاع الخاص أو أصحاب رؤوس الأموال سواء من أبناء الأسرة الحاكمة أو من التجار، وهذا في حد ذاته تشويه يمس الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية الحقيقية.
مقالات
الخصخصة: الملكية والسلطة
26-04-2010