عندما يباع الامل في الصيدليات!
صديقي «البحر الأحمر»، وهذا اسمه المستعار الذي التصق به منذ سنين طويلة بالرغم من أن ثلاثة أرباع من ينادونه به يعرفون اسمه الحقيقي، هو من المتشائمين المحترفين، فالرجل وإن كان يصر على أن يدعي غير ذلك، إلا أنه قادر على رؤية مشكلة ما في كل شيء، وإن جئت له بحل لمشكلته، أوجد لك وهو متكئ يحتسي «كاسة شاهي» مشكلة جديدة في الحل، بل معها «فوق البيعة» مشكلتان تحسباً لأي حلول أخرى قد تتجرأ وتفكر فيها! منذ أيام، كتب «البحر» في أعلى صفحته على الشبكة بيت الشعر المعروف لمؤيد الدين الشهير بالطغرائي، والذي أورده في قصيدته المسماة «لامية العجم»، فقال:
أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ففرحت كثيراً، واستبشرت خيراً، لأن معقلاً صعباً من معاقل المتشائمين في بلاد بني يعرب، وما أكثر معاقلهم، قد سقط أخيراً، ولكنني لم أكد أهنأ بالبشرى، حتى عاد وأفسد كل شيء حين كتب معلقاً تحت بيت الشعر: «الله لو يبيعوا الأمل في الصيدليات»، وإذا به لايزال ينضح بتشاؤمه الذي أعرفه منذ سنوات طويلة. الأمل يا أحبة، ودعوا عنكم ما يقوله المتشائمون ممن يرتدون القبعات السوداء، بحسب تصنيفات «د. دي بونو» صاحب برنامج قبعات التفكير الست الشهير، كنت أقول إن الأمل يباع فعلاً، وهو أمل حقيقي وليس من غرار الأوهام التي تسوق على البسطاء والسذج. مشكلة المتشائمين وشعورهم بضياع الأمل عادة ما تبدأ صغيرة، فتترك دون علاج، لتكبر وتتفاقم، حتى تطفح وتفور خارج الإناء، فتصبح الدنيا بأسرها، بكل ما فيها من أنوار وضياء ومنابع للسعادة، أضيق عندهم، من سم الخياط، وتُمسَح من ذاكرتهم كل لحظات النجاح والانتصار والفرح التي مرت عليهم، فلا يعودون يرون سوى اللون الأسود يكسو كل شيء! إلا أنه وبالرغم من هذا المشهد القاتم، ففي الحقيقة، أن الإنسان الذي يستمر واقفاً على قدميه، ولو كان لايكاد يقف، بالرغم من كل ما يتعرض له من ضغوط حياتية، أوقعته أسيراً لحالة من التشاؤم، هو إنسان متميز بشكل من الأشكال، لمجرد أنه لايزال صامداً مكافحاً، فجرس النهاية لا يقرع حتى يسقط الإنسان تماماً وينهار، بل حتى من يصل إلى حدود تلك المنطقة الصعبة، فأرى الأمل كبيراً بعودته.يا سادتي إن «في الحياة خيارات كثيرة حتى نستمر في ممارسة الأمل» ــ وهذه عبارة بديعة قالتها الأستاذة سعدية مفرح في مقابلة لها في الزميلة «الشرق الأوسط» منذ أيام- لكن البحث عن هذه الخيارات هو أولاً وأخيراً قرار ينبع من الإنسان نفسه، لأن مشكلة البعض أنهم عندما يلامسون مزاج التشاؤم والأسى على النفس، كأنهم يستعذبون الألم ويستطيبونه، ويجدون فيه لذة مبتغاة كانوا يبحثون عنها، فيستمرئون الإغراق فيه وينجرفون مع أمواجه المتتابعة، ليجدوا أنفسهم وقد صاروا في وسط محيطه المغرق المهلك!خلاص الإنسان من التشاؤم والأسى على النفس، يبدأ بقراره أنه يريد الخلاص من ذلك، وأن يسعى إلى ذلك فعلاً، فلا يبقى القرار مجرد كلمة يقولها بلا رغبة صادقة. يجب أن يمد الإنسان يده بحثاً عن المساعدة، برغبة حقيقية منه للتحرك بعيداً عن مصادر الألم ومسببات التشاؤم، والتوجه نحو مصادر البهجة والسعادة ولو كانت بسيطة وصغيرة في البدء، وأنا ضامن أنه سيجد العشرات من الراغبين والقادرين على مد يد العون والمساعدة له، وهذا ما عنيته بقولي إن الأمل يباع هذه الأيام، فهناك من يتخصصون في هذا المجال، ومن يمكنهم مساعدة المحتاجين على رؤية بريق الأمل في حياتهم، وإعادة برمجة عقولهم «السوداوية» لرؤية ألوان الدنيا الأخرى، من أحمر وأخضر وأصفر ووردي وأبيض. من المهم أن يدرك الإنسان أن من السنن الكونية التي أجراها الله على خلائقه الابتلاء، بأشكال مختلفة، ومستويات متعددة، لكن في مقابل ذلك جعل الله الدنيا للناس يومين، يوما للمرء ويوما عليه، لذا محال أن يستمر الشقاء، كما هو محال أن يستمر الفرح على نشوته دون أن يفتر، وستستمر الأمور ما بين إقبال وإدبار، وستكون كل لحظة حزينة، ولو طالت، متبوعة بفرح، بل بفرح غامر. قلبوا في تفاصيل ذاكراتكم يا أصدقائي، ستجدوا الدلائل كثيرة على صحة ما قلت... ولا عزاء للمتشائمين مع سبق الإصرار والترصد!