الاكثر رواجا هو الاكثر زيفا
الكتابة عن رواية مرشحة لجائزة البوكر العربية تختلف عن الكتابة عن أي رواية أخرى، خصوصا إذا وصلت إلى القائمة الصغيرة، حينها تتطلب تركيزا أكبر في القراءة وأكثر صرامة في الحكم عليها، فحالها لا يقارن بأي رواية عادية لم تنل شرف الترشيح، ولم تمتلك المواصفات المطلوبة لجائزة عالمية مثل البوكر.
وعلى هذا حين قرأت رواية «وراء الفردوس» لمنصورة عزالدين، توقعت أنها رواية غير عادية، وأنا لم أقرأ روايتها السابقة ولا مجموعتها القصصية، ولم ألتق بها من قبل، ولكني قرأت الإشادة بروايتها الأولى، فتوقعت أن تكون تجربتها الثانية أكثر نضجا وتميزا، ولكني فوجئت بأنها رواية عادية محكمة في تقنيتها وعادية في مواضيعها، رواية جيدة لكنها لا ترقى إلى الوصول إلى جائزة مثل البوكر إلا في حالة ضعف مستوى الرواية العربية ونزولها إلى الجيد لا الممتاز، وأرجو ألا يفهم من كتابتي هذه أنها ضد العمل أو ضد الكاتبة ذاتها، أو ان لي رواية لم تحظ بالترشيح، فآخر رواية لي «رجيم الكلام» صدرت في 2006 وهذا يبرئني من أي مشاعر ضغينة كانت، ما سأكتبه يتعلق بمستوى الكتابات الروائية المفترض للحصول على هذه الجائزة، فالبوكر العالمية تُمنح لروايات ذات مستوى متميز فوق العادي، لذا يجب أن تكون البوكر العربية بذات المستوى، وهذا ما نريده وما نطمح إليه، لكن أن تكون الرواية بمستوى جيد لا جيد جدا أو ممتاز، وتصل مع ذلك إلى جائزة البوكر، فمعنى هذا أنه لا يوجد لدينا إبداع متميز بغير العادي وبغير المطروق والمعاد في طرحه، فهل يعقل ذلك؟رواية وراء الفردوس بكل بساطة حكاية لأسرة مكونة من الجد والجدة وأولادهما وزوجات الأولاد وأحفادهما وعامل في مصنع الطوب مسيحي وزوجته وابنه وابنته، بالإضافة إلى بعض الشخصيات الهامشية مثل مارجو وشيخ القرية.الرواية تدور في الريف بعد تجريف الأرض لإنشاء مصانع الطوب على حساب الأرض الزراعية، كذلك تتناول نظرة المسلمين للمسيحيين بشكل هامشي بعيدا عن البحث المتعمق الجديد أو المدهش، كذلك موضوع التجريف والاختلاف الطائفي والحكايات الإنسانية كلها سبق تناولها وطرحها في المسلسلات والأفلام المصرية حتى استنفدت. إذن ما الجديد هنا؟ كان يجب أن تؤخذ هذه الموضوعات بنظرة أكثر جدية وأكثر عمقا وبعدا في إعادة معالجتها حتى تأتي بخلق جديد لها، كذلك الرواية مرت على الشخصيات بشكل ملخص سريع وعابر من دون نحت لها، كلها شخصيات ورقية من غير لحم ودم، شخصيات تقرأها بملل ولا تترك أي أثر في تفكير القارئ، مشاهدها لا تعلم في الروح ولا في الذاكرة، كأنها تقارير سريعة مختصرة لكل شخصية بلا إثارة ولا دهشة، حياد صامت.رواية سارت على نهج تقليدي في تقنية جيدة وهي صنعة الرواية وإلا لأصبحت مجرد كتابة، فأين الدهشة التي تشد القارئ والتي تشركه في الكتابة والتي تثير أسئلته وتدفعه إلى تفكيك النص وتأويله وتحليله، ولا تتركه للبلادة الذهنية ولقراءة المسح السريع حتى يخلص من هذه الثرثرة المملة التي تخلو من التوتر ومن حداثة الصادم والمدهش الذي يطبع على خامة روح المشاهد بشكل لا يمحى، وتمنح متعة القراءة وهو الأمر الأهم.كل المشاهد كُتبت على وتيرة واحدة، وكلها بيد الراوي الذي لا يملك طرحا جديدا لها، إلا إعادة قصها ولصقها وحكيها.وهذا ما يثير زوبعة من الشكوك بشأن مستوى فهم وإدراك وتلقي القيمين على ترشيح هذه الأعمال، وأهدافهم، وعلى علاقاتهم الشخصية والمصلحية فيها، فهل الرواية العربية في حالة عقم ونضوب أم أن العيب يكمن في نزاهة ضمير من وكلت إليه حالها، ومن هو مؤمن على رفع مستواها ومستوى منتجيها؟وفي النهاية نبقى نحن المخدوعين ببريق الجوائز وبكذبة الأكثر مبيعا، والأكثر رواجا، والأكثر زيفا.