ماذا لو كُتِب لك الخلود؟
أي رطانة رائعة تلك التي كتبها "جون وولش" في جريدة "إندبندنت"، وعنونها "لا تقل الموت... من يريد أن يحيا إلى الأبد"؟ يسأل الكاتب: ماذا لو توصل علم الجينات إلى أن يمد عمرَك لأكثر من مئة عام ولمئات السنين! ماذا لو أتاح لك العلم أن تؤجل موتك إلى ألف عام، كيف ستحيا كل السنوات القادمة الممتدة؟! ينقل الكاتب عن المخرج الأميركي الكبير "ودي ألن" الذي بلغ الخامسة والسبعين من العمر قوله: "لا أريد أن تخلِّدني أعمالي... وإنما لا أريد الموت"، عبارة صادقة تخلو من رياء مدَّعي الحكمة والنقاء الروحي.
تتزايد نسبة المعمِّرين الذين تتجاوز أعمارهم المئة عام بنسبة 7 في المئة كل عام، ويتضاعفون كل عشر سنوات، ولا يهم سبب الزيادة، سواء كان ذلك راجعاً إلى خفض كمية النشويات التي يستهلكونها أم لأسباب روحية، "فجين كالمنت" ماتت عام 1997 عن عمر يناهز المئة والعشرين عاماً، وبعد جيل من الآن سيُحطَّم هذا الرقم القياسي لنصل إلى مئة وخمسين عاماً... ويعود جون وولش ليسأل: هل نستطيع أن نخدع الموت إلى ما لا نهاية؟! فنحن نموت بأي واحد من ثلاثة أسباب، الكهولة أو المرض أو الحوادث... ماذا لو استطاع العلم أن يوقف الشيخوخة بالأدوية المانعة للمرض... وتجنبنا موت الحوادث؟ لو قدر للعلماء أن ينقلوا العقل من الجسد المصاب الجريح إلى جسد آخر سليم! تماماً مثلما تُنقَل المعلومات "سوفت وير" من جهاز كمبيوتر إلى آخر، ستنتقل ذكريات الماضي والوعي بالحاضر وبالتالي كل معنى لحياتك من جسدك المتهالك إلى جسد جديد... وهكذا يتم تخزين "الذاكرة" البشرية ونقلها إلى مئات وآلاف السنين، وتظل حياً خالداً بذكرياتك ووعيك. ينقلنا وولش إلى رحلات جليفر ولكن ليس إلى بلاد الاقزام، بل إلى بلدٍ الكائنات فيه لا تموت، اسمها "سترلدبرغز"، يغبطها جليفر: يا بختكم لا تعرفون الموت... ولكنه يدرك أن تلك الكائنات الخالدة تتفجر بالحسد والثرثرة والملل، فهي تهرم وتشيخ وتسقط أسنانها، وتفقد ذاكرتها وتنسى بداية الجملة عندما تصل إلى نهايتها... فأي حياة هذه التي تحياها تلك الكائنات! هي تغبط وتحسد مَن يموت...! ويتساءل وولش مثيراً في نفوسنا حلم العمر الطويل، يسأل عن آلاف الكتب التي سنقرأها وعن كل نقاط الأرض التي يمكن أن نزورها لو امتد بنا العمر مئات السنين... لكن هل ستريد الخلود للأبد؟ وهل ستعي معنى البهجة؟ ماذا يقصد وولش؟ برأيي، إنه لا يريد غير أن يقول لنا، إنه لا توجد بهجة دائمة... وما كنا لنعرف لحظات البهجة والفرح لولا أوقات الحزن والملل، فبضدها تتميز الأشياء... فلولا الليل ما عرفنا النهار، ولولا القبح ما أدركنا الجمال.. ومثلاً، لولا أنني لم أزُر سويسرا ولاس فيغاس لقلت ما أجمل الحياة في بلدي الكويت... إني أغرق في دنيا البهجة وأسبح على شواطئ الحبور.