أفلام الأعلام!

نشر في 26-03-2010
آخر تحديث 26-03-2010 | 00:00
 محمد بدر الدين سيد درويش (17 مارس 1892-10 سبتمبر 1923) سيد الموسيقى العربية ومجددها. أقرّ الكبار، من محمد عبد الوهاب إلى المبدعين في الأجيال التالية، بأنه أستاذهم ومعلم أهل النغم جيلاً بعد جيل!

حسناً صنعت السينما المصرية بتقديم فيلم عنه بعنوان {سيد درويش} (1966)، إخراج الرائد أحمد بدرخان، سيناريو سامي داود ومصطفى سامي، وأدى كرم مطاوع دور سيد درويش وشاركته البطولة هند رستم.

يدفعنا هذا الفيلم، بنجاحه ونضجه الفني، إلى أن نتأمل في تجارب السينما المصرية في عرض سِير الأعلام، سواء في عالم الفن والأدب أو عالم السياسة والتاريخ أو عالم الدين.

في عالم الفن نذكر إلى جانب {سيد درويش}، فيلمين أخرجهما حسن الإمام عن منيرة المهدية وبديعة مصابني، إلا أن مستواهما كان متواضعاً، و{ألمظ وعبده الحمولي} (1962) إخراج حلمي رفلة، الذي جاء على قدر من الاستسهال فنياً، بخلاف العناية التي توافرت لـ{سيد درويش}، إضافة إلى الاستهتار من الناحية السياسية، إذ صوّر شخصية الخديوي إسماعيل مجرد حاكم عابث أو ماجن، {همه} ملذاته ونزواته. لو كان اسماعيل كذلك لما صنع {الطفرة} أو النهضة في عهده، أياً كانت التحفظات على جوانب أو أساليب بدت في ذلك العهد!

في عام 2006 عرض {حليم} إخراج شريف عرفة، إلا أنه لم يكن على مستوى الطموح بتقديم فيلم كبير عن مطرب كبير، وليس أتعس منه حالاً سوى {كوكب الشرق} للمخرج محمد فاضل!

وبدرخان نفسه، الذي أخرج الفيلم عن درويش، وقدمه فيه كإنسان وفنان ومشارك إيجابي ورائع في الحياة الوطنية في عصره، قدم بطلاً وطنياً متفرّداً في تاريخنا في {مصطفى كامل} (1952)، الذي كتبه تلميذ مدرسة كامل الوطنية ونعني فتحي رضوان، المفكر الموسوعي المقتدر والمناضل العتيد، وشاركه الكتابة المخرج أنور أحمد ويوسف جوهر، وأدى أنور أحمد شخصية كامل ليظل دوره الوحيد، وشاركه البطولة كل من ماجدة وحسين رياض وأمينة رزق وزينب صدقي وغيرهم.

من المفارقات أن ثورة عبد الناصر قامت في 23 يوليو عام 1952 فيما كان فتحي رضوان في السجن و{مصطفى كامل} جاهز، لكن الدولة حظرت عرضه، وحين قامت الثورة تحوّل رضوان من سجين إلى وزير للإرشاد القومي، وعرض {مصطفى كامل} في العام نفسه، وحظي باهتمام قادة الثورة، وحين شاهده عبد الناصر قال لرضوان: {أتمنى أن أرى أفلاماً أخرى عن محمد فريد وعبد الله النديم وغيرهما...}

لكن السينما المصرية، على أي حال، ظلت أقل من الآمال المعلقة عليها في إنجاز أفلام من هذا الطراز.

قدمت السينما المصرية أفلاماً قليلة عن سِير الأعلام من بينها {جميلة الجزائرية} (1958)، {الناصر صلاح الدين} (1963)، ومن إخراج يوسف شاهين، ويظل {الناصر} أحد أنضج الأفلام في هذا المجال.

كذلك قدمت من سير كبار شخصيات التاريخ الإسلامي فيلمي: {بلال مؤذن الرسول} (1953)، كتبه أحمد الطوخي وأخرجه وأدى دور البطولة فيه يحيى شاهين، و}خالد بن الوليد} (1958) أخرجه حسين صدقي وشارك في كتابته وأدى دور البطولة فيه.

في السينما المصرية المعاصرة نفتقد إلى أفلام تتناول سِير الشخصيات العامة، ونرصد {ناصر 56} (1996) إخراج محمد فاضل بطولة أحمد زكي، يتمحور حول حدث تأميم قناة السويس والتصدي للعدوان في مسيرة قائد ثورة يوليو، وقد لقي إقبالاً كبيراً، {أيام السادات} (2001) إخراج محمد خان وبطولة أحمد زكي أيضاً الذي أثار جدلاً وخلافاً شديداً من حوله!

كذلك نذكر {قاهر الظلام} (1979) إخراج عاطف سالم عن سيرة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، والغريب أنه لم يؤخذ عن {الأيام} أشهر سيرة ذاتية في الأدب العربي وإنما عن قصة لكمال الملاخ!

وتبقى مئات الشخصيات، في المجالات كافة، يمكن من خلالها التعبير عن أفكار كثيرة وطرح نماذج قدوة ومثل عليا، نتعلم منها أو نتناقش من حولها.

تزخر السينما في العالم كله، بتقديم أفلام عن شخصيات ملهمة أو مهمة أو مؤثرة أو مؤسسة... من لينين إلى غاندي، ومن موزارت إلى بياف، ومن عمر المختار إلى لومومبا، ومن مالكوم أكس إلى محمد علي كلاي، إلى نيلسون مانديلا (2009) وغيرهم.

هذه النوعية من الأفلام محببة، قد تكون تحية واجبة لشخصيات ناحية، وسيراً بلغة الفن السابع وبلاغته من ناحية أخرى، تمتع الوجدان وتثريه وتشحذ فكر جمهور السينما الواسع...

back to top