إنها شماتة لا نقد... والفرق كما بين السماء والأرض!

نشر في 06-12-2009
آخر تحديث 06-12-2009 | 00:00
 د. ساجد العبدلي لم أكن أتصور حين كتبت مقالي السابق عن أزمة شركة دبي العالمية أني سأسبب إزعاجا للبعض إلى هذه الدرجة، وأني كنت سأكون كمن طرق أبواب الجحيم، بل ظننت أن الناس حتما ستتعاطف مع بلد جار عربي مسلم تربطنا به أواصر القربى والجيرة والعلاقات الطيبة، ولكن يبدو أني كنت مخطئا جدا، فقد انهالت علي الردود والتعليقات الغاضبة، بل تبعني البعض بالرسائل الإلكترونية، ولأنه كان سيصعب الرد على ذلك الكم الكبير والشائك من التعليقات، وقد أتأخر في ذلك، بالرغم من حرصي على ذلك دوما، فقد اخترت الكتابة مجددا هذه المرة.

لكن يا سادتي، ليدرك الجميع قبل ذلك أني لست في وارد الدخول بأي خصومة مع أي أحد، ولا يستهويني الخصام عموما، فهو مرهق للنفس والعقل ومضيعة للوقت والجهد، وبالأخص عندما يكون واضحا أنه لن يوصل إلى نتيجة، ولكنني أرجوكم، بكل لطف، أن تعودوا إلى مقالي فستجدون أني تكلمت عن الشامتين، ولم أتكلم عمن كتب أو تحدث منتقدا تجربة دبي بموضوعية سواء اليوم أو في الأمس أو سيكتب مستقبلا، لأن حق النقد البنّاء مكفول للجميع ودبي فيها ما يستحق النقد ولا شك وهو كثير، ولكن الشماتة للمنصف غير النقد والفرق بينهما لغويا ومعنويا كالفرق الشاسع بين السماء والأرض!

الناقد الموضوعي المنصف باحث عن الحقيقة، طالب للخير، ودبي تستحق منا الخير فهي، وقبل أن تكون نموذجا اقتصاديا وتنمويا فريدا انتزع الإعجاب من العالم أجمع، جارة عربية مسلمة، تربطنا بها- نحن الكويتيين- على وجه الخصوص علاقة استثنائية، حيث نحمل في أعناقنا جميل وقفة أهلها إلى جانبنا وقفة الكرام يوم ألمت بنا كارثة الغزو الآثم فصرنا نقلب عيوننا شرقا وغربا بحثا عمن يقف في صفنا، أما الشامت المتشفي بغل، فهو غير هذا، بل هو أقرب إلى الحقد واللؤم والجبن، ولهذا كانت غضبتي.

بعض من علقوا على المقال، أو أرسلوا رسائل إلكترونية، جاؤوا بالآيات التي تنهى عن الربا وتنذر بحرب من الله على من يتعاطونه، ولست بالجاهل ولا المكابر، معاذ الله، حتى أنكرها، ولكنني في نفس الوقت سأقف لأتساءل، ومن الذي كشف لهؤلاء طاقة الغيب، أو جعل لهم عند الله عهدا، ليجعلهم يجزمون بأن الأزمة الاقتصادية في دبي هي غضبة إلهية بسبب الربا؟ وإن كانوا قد تجرؤوا على القول بذلك، فما لهم لم يقبلوها على الكويت يوم قال بعض الشامتين بنا آنذاك، وأظنكم تذكرون ذلك، بأن ما ألمَّ بنا في الثاني من أغسطس 1990، كان أيضا غضب من الله لأننا كنا راتعين في الربا، بل كانت لنا استثمارات خارجية فيما حرم الله، وقصة شركة إنترا مالكة كازينو لبنان ليست عنكم ببعيد؟!

وما لها أيضا لا ترد على بالهم اليوم فيقولون كذلك إن ما بنا من أزمة سياسية كبرى شلت نمو الكويت وأوقفت تقدمها وجعلت اقتصادها يتدهور راجع أيضا لغضب الله، لأنها لاتزال لنا استثمارات وأموال في البنوك الربوية ومازلنا نقرض الدول بالربا من خلال صندوقنا التنموي الشهير وغيره؟!

وما لنوابنا وكتابنا وناشطينا الإسلاميين «الشباب» لم يفعلوا شيئا في هذا الصدد طوال هذه السنين الطوال؟ ولم يسائلوا الحكومة على خلفية أزماتنا الخانقة بسبب غضب الله علينا لتعاملنا بالربا، كما هم ينشطون هذه الأيام لأسباب «سياسية» أخرى؟!

يا سادتي، من ملك الجرأة ليجزم بأن ما حصل في دبي هو غضب من الله، فعليه أن يسير في نفس المسار ويقولها بحق الكويت، فالأمر سيان إن كنا نريد النظر من هذه الزاوية، بل عليه قولها في حق كل الدول العربية والإسلامية، لأن السياسات الاقتصادية لجميع الدول العربية والإسلامية واحدة تقريبا، وكلها منخرط في ذات الاستثمارات والتداولات الربوية والإقراض والاستقراض من نفس البنوك الغربية الربوية «الكافرة» وإن كان بدرجات مختلفة، كما أن السياسات «السياحية» لأغلبها تقريبا واحدة، والخمور موجودة في جل فنادقها وملاهيها، وفي تلك التي يجرمها القانون، أو لا ينظم تداولها ويحصرها في أماكن محددة كما هي الحال في دبي ودول خليجية أخرى لا داعي لذكرها وكلكم تعرفونها، فلا يصعب الحصول عليها.

وكذلك هل هذا يعني أنه كلما أصابت دولة من الدول العربية والإسلامية مصيبة أو أزمة، سينبري عندنا من يقول إنه غضب الله قد حل بهم، وسيستطيب الشماتة بهم؟! لا حول ولا قوة إلا بالله!

سأرجع لأقول إن دبي ستبقى منا ونحن منها، فالأنساب والأعراق واحدة واللسان واحد والدين واحد، ووقوفنا إلى جانبها ليس فيه أي منة بل هو الواجب الديني والقومي، ناهيك عن أن أهل الاقتصاد يدركون أن اقتصادات دول الخليج مرتبطة ببعضها بعضا، وإن تأثر طرف منها فسيؤثر حتما على الأطراف الأخرى، فما بالك بتأثر دبي التي هي أحد أكبر الأطراف.

كما أننا، نحن الكويتيين، وهذا هو الأهم، أحوج ما نكون إلى رد ذلك الجميل الذي طوقنا به أهل دبي وسائر الإمارات يوم احتضنوا الآلاف منا في فترة الغزو، ولو على المستوى المعنوي على الأقل فلا نشمت ولا نتشفى، لأن الأيام دول، وللزمان دورات!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

back to top